الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

كيف يؤثر الانتحال على الإبداع في المجتمع؟



في مقال منشور في موقع "علم النفس اليوم"[1] بعنوان "الانتحال وأثره على الإبداع"، كتبت د. شيلي كارسن عن تجربتها كأستاذة جامعية مع حالات الانتحال لدى الطلاب، وذكرتْ الأعذار التي يسوقونها حين يُكتشف انتحالهم، والتي كان من أبرزها "الكل ينتحل، فلمَ لا أفعل ذلك أيضا؟". ترى الكاتبة أنّ التصدّي لثقافة الانتحال أمرٌ ضروريّ للغاية لمن يعتقد أنّ الإبداع مكوّنٌ أساسيّ في صحّة المجتمع ونموّه ثقافيًا. وكجوابٍ على السؤال أو العذر المذكور أعلاه، تورد الكاتبة ثلاثة أسباب تجعلنا نحارب هذه الظاهرة، سأترجمها فيما يلي.
----------

أولا، تؤدي سرقة الملكية الفكرية للآخرين إلى إضعاف الدافعية لإنتاج مادةٍ أصيلة إبداعية، وذلك من جانبين. فحتى لو كنتَ تمتلك قدرات كبيرة في الكتابة وأفكارًا ألمعية، سينطفئ دافعك لبذل الجهد والوقت ما دام بإمكانك ببساطة أن تختلس إنتاج الآخرين وتنسبه إلى نفسك. ولو عرفتَ أنّ أحدًا آخر يمكنه أن ينسب لنفسه إنتاجَك أنتَ دون أية تبعات، فلن تجد في نفسك رغبةً كبيرة في أن تُنتج شيئا وتنشره. حين ترى إنجازك يُنسَب لغيرك تشعُر بالانتهاك، والنتيجة هي أنّ بعض الأشخاص الذين لديهم القدرة على الإسهام بإبداعات حقيقية سيصابون بخيبة أمل ويقولون في أنفسهم "لماذا أتعب نفسي إذًا؟".

ثانيًا، تجاهُل ذكر المراجع والمصادر التي أُخِذَت منها الأفكار والمقولات يُضعف مفهوم المسؤولية في النشر؛ إذ يسمح ذلك بانتشار المعلومات الخاطئة وإعادة نشرها دون وجود طريقة لمعرفة مصدرها. وهذا بدوره يقلّل من قدرتنا على التحقق والتصرّف مع المعلومات المقدّمة لنا على أنها حقائق وهي لا تستند إلى دليل أو تأكيد. حريّ بالذكر أنّ المعلومات المغلوطة حين تلقى رواجًا كبيرًا لا تضرّ بالأفراد فحسب، بل إنّ أثرها قد يفضي إلى عواقب وخيمة يمكن أن تضلّل باحثين بل حقولا معرفية بأكملها.

ثالثا، محاولة ادّعاء الفضل لنفسك في أمر ليس من عملك هو تزوير صريح، فالشهادةُ الجامعية تعني أنك بذلتَ المطلوب منك من جهدٍ في البحث والدراسة وأداء الاختبارات، وأنّك قد تمكّنتَ من المهارات التي ينطوي عليها الحصول على الدرجة الجامعية. أما إنْ ظللتَ في مسيرتك الدراسية تتقافزُ على المهام المطلوبة منك، فعلى الأرجح إنك لم تتحصل على المهارات البحثية والكتابية المتوقعة منك، فتدخل إلى سوق العمل ناقص المهارات [بخدعةٍ اسمها شهادة].
هكذا يُسهم الانتحال في "تسطيح" ثقافتنا بدلا من الارتقاء بها إلى عصرٍ ذهبي أصبح من الممكن الوصول إليه عبر ما قدّمته لنا التقانة. علينا أن نتخذ القرار فيما إذا كنا نريد لنفسنا عصرًا سطحيًا أم ذهبيًا. إن كنتَ كاتبًا، سواء أكنت تلميذا في المرحلة الثانوية أم مدوّنًا على الإنترنت، فرجاءً احرص على توثيق المصادر. وإن كنتَ والدًا أو معلمًا، فرجاءً لا تغضّ الطرف عن محاولة انتحالٍ ممكنة. علّم أطفالك/طلابك أنّ الأمانة في الكتابة مهمّة جدًا لشخصية الفرد، ولشخصية المجتمع.



1 https://www.psychologytoday.com/blog/life-art/201010/plagiarism-and-its-effect-creative-work

لماذا يُقْدمُ الأذكياء على الانتحال (السرقة الأدبية)؟


كتب جوناثن بيلي مقالًا في موقع "الانتحال اليوم" [1] يتحدث فيه عن الأسباب التي تدفع أشخاصًا أذكياء متميّزين إلى المخاطرة بسمعتهم ومكانتهم ومستقبلهم المهنيّ حين يُقدمون على ما يُعرف بالانتحال أو السرقة الأدبية. ولعلّ هذا يذكّرنا بحوادث سمعنا عنها لشخصيات شهيرة مثل الداعية عائض القرني (الذي انتحل كتابا لسلوى العضيدان)، والإعلامي الشهير باسم يوسف (الذي انتحل مقالة نشرها في الصحف)، وغيرهما. في ما يلي ترجمةٌ لمقتطف من مقال جوناثن بيلي حول الأسباب الثلاثة التي تدفع الأذكياء إلى الانتحال.

المشكلة الأولى: صعوبة الكتابة
كون المرء موهوبًا وذكيًا لا يعني بالضرورة أن يكون كاتبًا رائعًا؛ إذ قد يكون أحدهم عالِـمًا مدهشًا أو أستاذًا أو باحثًا أو فنانًا أو موسيقيًا، الخ، دون أن يكون كاتبًا جيدًا.
نرى ذلك كثيرًا في البحوث العلمية، حيث يُبدع العلماء في عملهم لكّنهم يعانون في كتابة ما توصلوا إليه بطريقة مقبولة للنشر، ما يدفعهم في كثير من الأحيان إلى الاستعانة بكاتبٍ مأجور خفيّ، أو إلى الانتحال.
ولكن حتى لو كان المرءُ قادرًا على الكتابة فقد لا يجد متعةً فيها، ما يدفعه إلى البحث عن طرقٍ تخلّصه من هذه المهمّة كيما يركّز على أشياء أخرى يفضّلها. وللأسف قد يقود هذا من يفتقر إلى التأسيس الأخلاقي إلى الانتحال رغم كل المخاطر المحيطة به.
في النهاية، من المجحف أن نحكم على قدرات الآخرين بطريقة قاسية وفقًا لمستوى كتابتهم، بيد أنّ الكتابة مكوّن أساسي من طريقة تواصل الناس مع بعضهم البعض، ما يجعلها ضرورةً لنجاح مهمةٍ قد تبدو غير مرتبطة بها (أي التواصل).
وما دمنا نطالب أشخاصًا قد لا يشعرون بالراحة في الكتابة في أن تكون جزءًا مهمًا من وظيفتهم، سيستمر الانتحالُ موجودًا، رغم وجود العديد من الناس الذين يستطيعون تأدية مهامهم دون اللجوء إلى سلوك غير أخلاقي.



المشكلة الثانية: عامل الضغط
الأشخاص الذين يُنظر إليهم بوصفهم أكثر ذكاء وثقافة يتعرّضون لضغطٍ أكبر من الآخرين كي يتميّزوا، كي يُنجزوا، وكي يصبحوا الأفضل في كل شيء يقومون به، حتى وإن كان ذلك غير ممكن عمليًا.
وما بين مطرقة التوقعات العالية والوقت المحدود وسندان الرغبة في الحفاظ على صورتهم، قد يحدث أن يشعر هؤلاء الأذكياء (أو على الأقل من يُنظر إليهم بوصفهم أذكياء) بأنهم متورّطون في محاولةٍ لتحقيق منجزات غير منطقية أو غير ممكنة.    
وكما هو الأمر مع الكتابة، فإنّ الذكاء وحده لا يضمن أن يكون المرء ناجحًا في إدارة وقته وأعماله؛ فالألمعيوّن كثيرًا ما يعانون في تنظيم وقتهم، كبقية الناس تمامًا.
بيد أنّ هذا ليس عذرًا، فكثير من الناس يواجهون هذه الضغوط نفسها دون اللجوء إلى الانتحال. حريّ بالذكر أنّ هذا العذر واحد من أكثر الأعذار التي يبديها المنتحلون رغم أنّ الضغوط لا تتعلق بهم وحدهم بصرف النظر عن مستوى الذكاء أو النجاح.

المشكلة الثالثة: الزهو بالنفس
حين يعُدّك الكثيرون واحدًا من أذكى الناس في محيطك، وحين يُكثرون من الإطراء على روعتك، فمن السهل أن تعتقد بأنك مهما فعلتَ فلن يكتشف أحدٌ فعلتك.
وفي حين أنّ الزهو قد لا تكون تفسيرًا مقنعًا للبدء في الانتحال، إلا أنه قد يفسّر لماذا يستمرّ بعض الناس في الانتحال، بل ويصنعون سجل إنجاز اعتمادًا على الانتحال.
تتبدّى صحةُ ذلك إن أخذنا في الاعتبار أنّ قليلا جدًا من الناس يُكتشفون عند ارتكابهم الانتحال للمرة الأولى، ما يمنحهم شعورًا زائفًا بالأمان بأنهم لن يُكتشفوا إن عادوا إلى الفعلة نفسها مرارًا وتكرارًا، على الرغم من أنهم في كل مرة يقامرون بسمعتهم.

يقود ذلك إلى درجة من الشعور بالارتياح والألفة مع فعل الانتحال، وهو شعور قد يأتي بالويل عليهم حين يُكتشف خطأ ما في عملهم ويُصبحون تحت المجهر. 

1 https://www.plagiarismtoday.com/2013/01/14/3-reasons-smart-people-plagiarize/

الاثنين، 5 أكتوبر 2015

أبو فراس، واستهبال القارئ مرة أخرى

قبل أكثر من عامين كتبتُ مقالًا أكشفُ فيه عن سرقةٍ أدبية في مقالٍ لكاتبٍ شاب لم أكن أعرف عنه إلا اسمًا بدأ يتردد بوصفه كاتبًا ذكيًا واعدًا رغم صغر سنّه، فأصبتُ بخيبة أملٍ حين اكتشفتُ سرقته في المقال ذاك. حينها انتشر ما كتبتُه وأصبحتْ "فضيحةً" مُتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي، وكثرتْ الردود ما بين مصابٍ بخيبة أمل وشامتٍ في هذا الشاب ومُهاجِم لي يتّهمني بالتعالي والتقصّد والقسوة بحقّ شابٍ يُعدّ في مرتبة الطلاب الذين أدرّسهم. أوضحتُ حينها أنّه أولا ليس طالبًا عندي، وثانيًا لم يكن ما كتبه في مقرر دراسي بل مقالا منشورًا للعامة، وثالثًا لا بدّ من كشف هذه الممارسات المسيئة بحقّ القرّاء. 
بعد سنة من تلك الحادثة كتبتُ موضوعًا اعتذاريًا على "الفيس بوك"؛ لا اعتذارًا عن كشف السرقة بل لأنّ المقال هيّأ الفرصة لشامتين ظهروا بوجوهٍ كريهة بعد ذلك المقال، وقلتُ بأنّ المقصود هو العقاب وليس القتل المعنوي، والمخطئ يستحقّ فرصةً لإعادة الثقة. كتبتُ ذلك رغم أنّ هذا الشاب نفسه لم يكتب اعتذارًا عمّا فعل. على أية حال، كنتُ أحسنتُ النيّة ولم أتعامل مع منشورات هذا الشاب (في الفيس بوك) بأي تشكيك، بل كنتُ أشارك بالتعليقات أحيانًا. كانت تلك رسالة بأنّ الماضي قد انتهى وأنّي كقارئ مستعدّ لنسيان الخطأ السابق الذي بدر منه.
مرّت الأيامُ وتلقّيتُ دعوةً من "مختبر السرديات" لتقديم ورقةٍ حول مجموعة "الإشارة برتقالية الآن" للكاتبة هدى حمد، واعتذرتُ لارتباطاتٍ أخرى ثم عرفتُ أنّ هذا الشاب مدعوّ أيضًا لتقديم ورقةٍ في الجلسة نفسها، ففرحتُ لهذه الثقة التي استطاع أن يستعيدها مع المؤسسة الثقافية في عُمان، وأنّه سيصبح بإمكانه العودة للكتابة في الصحف المحلية التي أغلقت أبوابها في وجهه بعد الحادثة إياها. بالأمس، وقعت بين يديّ نسخةٌ من ملحق "أشرعة" الذي لا أتابعه عادةً لكنني حرصتُ على قراءته بحثًا عن مقالٍ قيل لي أنه سيُنشر نقدًا على ترجمتي لكتاب علي الأمين المزروعي، فلم أجد المقال لكنني وجدتُ مقال صاحبنا الشاب عن مجموعة "الإشارة برتقالية الآن". ولأنني كنتُ مدعوًّا للحديث عن هذه المجموعة انتابني فضولٌ لقراءة الورقة التي قدّمها هذا الشاب في جلسة "مختبر السرديات". قرأتُ المقال بحسن نيّة لكنّ جملةً في بداية المقال أثارت شكوكي؛ إذ لا يمكن لأحدٍ أن يكتب مثل تلك الجملة إلا إن كان "بروفيسورًا" متخصصًا في الأدب ومطّلعًا اطلاعًا كبيرًا على الدراسات الاجتماعية في عُمان. وتبيّن لي بعد بحث سريع أنّ المقال هذا مسروق أيضًا، ومن عدّة مقالات.
وإذْ لا أطيقُ استغفال الناس كتبتُ تحذيرًا على "الفيس بوك" دون الإشارة إلى الاسم، مطالبًا صاحب المقال بالاعتذار العلني للقرّاء والتراجع عن نشر الجزء الثاني من المقال، لولا أنّ محررًا في جريدة الوطن كشف الأمر وأعلن الاسم. كنتُ أتمنى أن يقدّم الشاب اعتذارًا يجعله يواجه القرّاء بشجاعة كي لا يعود إلى مثل هذا الأمر.
استأتُ كثيرًا حين رأيتُ ردّه وما ساقه من كلام ليبرّر الأمر، قائلا بأنّ "هذه دراسة كاملة . وموثقة بالمصادر. الجريدة قامت بنشرها على شكل مقالة على جزئين. وقائمة المصادر موجودة لدي ومستعد لعرضها على الجميع في شكل الورقة كاملة" وبأنّ "بالنسبة للنص المطابق لدراسة سابقة وضعت حاشية كاملة في الدراسة عن قياس النص بمثله والتحدث عن دراسات مشابهة تعرضت لمثل هذه القضية. وأقصد أن سياق الدراسات الاجتماعية في عمان يتماثل مع ما أورد في سياق الدراسات الأخرى المنجزة عن الأدب في دول الجوار". أما عن الجزء الأول من الكلام فهذا ردّه عند الجريدة وعند مختبر السرديات، وكان بإمكان صاحب المقال توجيه اللوم للجريدة لأنها لم تنشر المصادر، لكنّه هو نفسه نشر وصلة للمقال المنشور في الجريدة دون أن يذكر شيئا عن تقصير الجريدة. وأما عن الجزء الثاني، فهذا كلام مردود عليه من أي شخصٍ يعي معنى البحث العلمي. ليس فقط من حقّ الكاتب الاستعانة بدراسات سابقة، بل هذا واجبه، لكنّه لا يكون بالقصّ واللصق وتغيير بعض المفردات هنا وهناك بل بالإشارة الواضحة إلى أنّ الدراسة الفلانية قالت كذا وكذا، وباستخدام علامات التنصيص المناسبة. كما أنّ أي فكرةٍ مأخوذة عن دراسة سابقة لا بدّ أن يتبعها توثيق مصغّر بين قوسين أو على الأقل رقم يحيل إلى قائمة المصادر. وهذا غير موجود أبدًا في المقال. أضف إلى ذلك وجود مقولات أخرى في المقال منقولة حرفيًا بحذافيرها دون تلاعب في النص، وهذه تحديدًا كانت بين علامات تنصيص.
لستُ هنا في موقع الدفاع عن نفسي، لكنني سأوردُ الأجزاء المسروقة كي لا يُقال بأنني ظلمتُ أحدًا وكي يحكم القارئ بنفسه.
 -----------------------------------------------------------
 المقال وبيان الأجزاء المسروقة (باللون الأحمر)




نحو أنطقة المسكوت عنه اجتماعيًّا

وأنا أشرع في كتابة هذه الورقة كنت أفكر جلياً فيما قاله لنا استاذ علم الاجتماع في إحدى محاضرات علم الاجتماع التطبيقي في معرض حديثه عن بعض إصدارات السرد العماني حين قال : “وجدت في السرد العماني ما لم أجده في الدراسات الاجتماعية المنجزة عن المجتمع في عمان، هناك الكثير من الأعمال السردية تعطي فهماً سوسيولوجيا للمجتمع تجاوز بمراحل ما ظلت تدور حوله الدراسات الاجتماعية وتحصر نفسها فيه …” وكان حينها يتحدث عن بعض الأعمال القصصية للقاص عبدالعزيز الفارسي. ونحن اليوم أمام عمل أدبي لا يقل في ثرائه السوسيولوجي عن أعمال الفارسي، أننا أمام عمل يمثل مشرحة اجتماعية مصغرة لبعض المشكلات والظواهر (المعقدة والمركبة) في آن واحد والتي أكاد أقول أن كثيراً من الدراسات لا تجرأ أن تقترب من حدود مناقشتها، وفي أحسن الأحوال تعتبرها قضايا هامشية لا تشكل سوى ظواهر لا ترتقي إلى أن يبحث فيها الدارسون ويحللونها.
لعلي ابتدئ هنا بمقدمة عامة عن تلك العلاقة التي تؤسس لسوسيولوجيا النتاج السردي في عُمان لنستعين بها كمدخل للمفهم وأداة للتفهم أمام هذه المجموعة القصصية التي خطتها هدى حمد والتي حللت من خلال 14 قصة قصيرة فسيفساء من المشكلات والظواهر الاجتماعية على نهجين أساسيين أولهما : (إعادة التفكير في اللامفكر فيه من إشكالات النسق القيمي) ، والآخر (فضح المسكوت عنه بالدلالات الرمزية والإمساك بخيط التناقض الاجتماعي الكامن فيه).
لقد تناولت معظم الأعمال الأدبية المنتجة في السياق العماني تطورات الأوضاع الاجتماعية في عُمان على نحو لم تستطع أن تقدمه الدراسات الاجتماعية، فيلاحظ أن الدراسات الاجتماعية المنجزة عن المجتمع العماني تواجه أوضاعا جعلتها تبتعد بدرجة أو بأخرى عن كثير من القضايا الجوهرية، ففي ظل إعوجاج المنهج وغلبة الدراسات الاستطلاعية المسحية على عمل الباحثين نجد أن الظواهر الاجتماعية المتولدة عن سياق تاريخي اجتماعي محدد، تتحول إلى ما يشبه الأساطير، فالظواهر التي تولدت بفعل عوامل اجتماعية وتاريخية محددة تختلط بتصورات غير واقعية تجعل منها لغزا غير قابل للإدراك، وفي ذلك الوضع نجد أن الأعمال الأدبية من المصادر الأكثر واقعية في تناول القضايا المتعلقة بالتاريخ الاجتماعي للمجتمع الحديث. الأدب يرصد استمرار أوضاع من مخلفات الماضي [تناولت معظم الأعمال الأدبية تطورات الأوضاع الاجتماعية في اليمن علي نحو لم تستطع أن تقدمه الدراسات الاجتماعية، فيلاحظ أن الدراسات الاجتماعية في اليمن تواجه أوضاعا جعلتها تبتعد بدرجة أو بأخري عن كثير من القضايا الجوهرية، ففي ظل المنهج الخاطئ لتلك الدراسات نجد أن الظواهر الاجتماعية المتولدة عن سياق تاريخي اجتماعي محدد، تتحول إلي ما يشبه الأساطير، فالظواهر التي تولدت بفعل عوامل اجتماعية وتاريخية محددة تختلط بتصورات غير واقعية تجعل منها لغزا غير قابل للإدراك، وفي ذلك الوضع نجد أن الأعمال الأدبية من المصادر الأكثر واقعية في تناول القضايا المتعلقة بالتاريخ الاجتماعي لليمن الحديث. الأدب يرصد استمرار أوضاع من مخلفات الماضي [1]] وكذلك يرصد في الآن ذاته حال الصدام الكامن بين أطراف ثلاثة في تكوين البنية الاجتماعية التي تشكلها في تقديري اليوم ثلاث مفاعلات رئيسية (قيم المجتمع المزعومة) و (حالة البحث المضطربة عن هوية مستحدثة) وكذلك (حالة المواجهة مع العصر بقيمه المعولمة وإشكالاته المعقدة وتفاعلاته المتشابكة).
هذه البنية الاجتماعية بنية كامنة في إطار التكوين السايكولوجي العام للفرد والمجتمع وهي بالضرورة تنطبع على سياق العديد من الأفعال الاجتماعية. وفي تقديري ما المجموعة القصصية المعنونة بـ “الإشارة برتقالية الآن” إلا محاولة جادة لكشف هذا الإنطباع على حالة الفعل الاجتماعي وقياس الإنعكاسات التطبيقية لحالة البنية الاجتماعية كما نفهما راهناً.
(2)
ومن هنا فإننا نرى ضرورة استحضار منهاج سوسيولوجي للفهم والتقصي يسير جنباً إلى جنب مع منهاج النقد الثقافي الذي ابتدعه علامه النقد العربي “عبدالله الغذامي”. 
فإذا كان الغذامي ركز على مسألة إدخال (الوظيفة النسقية) إضافة إلى الوظائف الست للغة، كما حددها رومان ياكوبسون، في النفعية والتعبيرية والمرجعية والمعجمية والتنبيهية والشاعرية أو الجمالية [إدخال الوظيفة النسقية إضافة إلى الوظائف الست للغة، كما حددها رومان ياكوبسون، في النفعية والتعبيرية والمرجعية والمعجمية والتنبيهية والشاعرية أو الجمالية.[2]] فنحن بحاجة ماسة اليوم للكشف عن الوظيفة السوسيولوجية في خط متواز مع الوظائف الأخرى. وحين أتحدث عن الوظيفة السوسيولوجية، وأركز على المصطلح بتركيبته الغربية فإنني أقصد ما يتجاوز كشف الأثر الاجتماعي إلى تحليل هذا الأثر وفق منهجيات علمية متاحة تتماهى معه وتصلح لتحليله.
والكشف عن هذه الوظيفة السوسيولوجية في تقديري أصبح اليوم مبدأ أساسيا من المبادئ التي يجب أن تقود مسيرة النقد في سياق السرد العماني وتحت مظلة هذا المختبر، حتى يتحول النص عندها، من مجرد تجلٍ أدبي إلى حادثة ثقافية واجتماعية تفهم وتحلل وتعتمل الأدوات لتفسيرها، لأي نص، كيفما كان انتماؤه الحقلي والتخصصي. 
ومع الحاجة إلى النقد الأدبي بمفهومه الأدبي الصرف, فإننا بحاجة إلى النقد السوسيولوجي الذي يركز على الدلالة السوسيولوجية والتي ترتبط من خلال علاقات متشابكة نشأت مع الزمن لتكون عنصراً اجتماعياً أخذ بالتشكل التدريجي إلى أن أصبح عنصراً فاعلاً، لكنه وبسبب نشوئه التدريجي تمكن من التغلغل غير الملحوظ وظل كامنا هناك في أعماق الخطابات، وظل ينتقل ما بين اللغة والذهن البشري فاعلاً أفعاله من دون رقيب نقدي لانشغال النقد بالجمالي أولا، ثم لقدرة العناصر النسقية على الكمون والتخفي ثانيا. وإذا كان النقد يشتغل النقد الثقافي وفق مفهوم “الجملة الثقافية” فإننا بحاجة للاشتغال على مفهوم “الجملة السوسيولوجية” متجاوزين المفهوم الذي تكرس مع النقد والبلاغة الكلاسيكيين مفهوم يمس الذبذبات الدقيقة للتشكل الاجتماعي للظاهرة وإنعكاسها في النص الأدبي [وإذا كان النقد الأدبي ينحصر في ضبط علاقة النص مع إنتاج الدلالة بنوعيها الصريح والضمني، فإن النقد الثقافي يركز على الدلالة النسقية التي ترتبط من خلال علاقات متشابكة نشأت مع الزمن لتكون عنصرًا ثقافيًا أخذ بالتشكل التدريجي إلى أن أصبح عنصرًا فاعلاً ، لكنه وبسبب نشوئه التدريجي تمكن من التغلغل غير الملحوظ وظل كامنًا هناك في أعماق الخطابات، وظل ينتقل ما بين اللغة والذهن البشري فاعلاً أفعاله من دون رقيب نقدي لانشغال النقد بالجمالي أولاً، ثم لقدرة العناصر النسقية على الكمون والتخفي ثانيًا، ويشتغل النقد الثقافي وفق مفهوم "الجملة الثقافية" متجاوزًا المفهوم الذي تكرس مع النقد والبلاغة الكلاسيكيين وهو "الجملة النحوية" و"الجملة الأدبية"؛ فالجملة الثقافية، بنظر الغذامي، مفهوم يمس الذبذبات الدقيقة للتشكل الثقافي الذي يفرز صيغه التعبيرية المختلفة [3]].
(3)
ففي (الإشارة برتقالية الآن) هناك مجموعة من الجمل السوسيولوجية المعتملة في إطار النص الذي يتكئ على تصوير (علاقة الجندر بالاختلالات الثقافية وحالة اللاتوازن التي يخلقها في العقل والفعل المجتمعي) وكذلك (المقولات الجاهزة للتنشئة الاجتماعية القائمة على الأفكار الاجتماعية المعلبة والإجابات الجاهزة) إضافة إلى (الفسح المجتمعي لبعض الأنماط التي تلبي رغبات المجتمع وفق تبريرات واهية تنافي منطق القيمة المزعومة).
(4)
إن الإشتغال على كشف حالة (التناقض المجتمعي) الذي يصوره النص يقتضي منا بالضرورة الكشف عن تفاصيل الوظيفة السوسيولوجية للقصص الواردة في السياق تلك الوظيفة التي تتحقق من خلال محاولة الكاتبة فضح ميل الثقافة إلى تمرير أنساقها تحت أقنعة ووسائل خفية؛ كالحيل الأخلاقية والقيم المزعومة. وفي تقديم هذه المجموعة ثمة سمتان بارزتان تميزان النصوص الواردة فيها الأولى دقة تمازج 
الخواص القصصية التي شكلت المبنى الحكائي الذي تقوم عليه قصص المجموعة، من خلال التركيز على مشاهد اجتماعية بعينها وكشفها في شكل فني يتميز بالتلميح والمواربة لا الإعلان أو التصريح [الخواص القصصية التي تشكل مبنىً حكائياً يركز على صورة ما أو يصف حادثة ما، أو يتخير لحظة من لحظات الإنسان فيعمقها، وزاوية من زوايا حياته فيركز عليها ويكشف عنها في نسيج فني يتميز بالتلميح والمواربة لا الإعلان أو التصريح [4]] وبذلك فإننا نجد أن هذه المجموعة تلاقت مع الجوهر الوظيفي للفن عامة من حيث إن ”ما يقوله الفن يستمد قيمته مما لا يقوله، مما يوحي به … الفن العظيم هو الذي يدرك روح الأشياء، هو الذي يدرك ما يربط الفرد بالكل، وما يربط كل جزء من اللحظة بالديمومة الأبدية “. وهذا الأمر يعكسه أيضا عنوان المجموعة (الإشارة برتقالية الآن) , فالكاتبة اختارت لونها المتفرد لإيصال رسالة (تنبيه) من وضع المرأة في سياقها المعاش في المجتمع، إضافة إلى التنبيه حول بعض المسكوت عنه في السياق الاجتماعي، ذلك أننا لو حللنا اللون البرتقالي نجد أنه محصلة لامتزاج الأحمر بالأصفر وفي ذلك فإن الدلالة اللونية هنا هي أقرب للأحمر في ترتيب الإشارة الضوئية منه إلى الأخضر . وعليه فإن هذا يعكس أن ثمة أوضاعا اجتماعية معاشة نحسب ظاهرياً أنها تسير بشكل جيد لا يمس المجتمع بإشكالات وظواهر تؤثر في حركته ولكنها في الحقيقة هي أقرب لحالة الإنفجار إذا ما تم التنبه إليها والمكاشفة حولها. أما السمة الثانية فهي المعادلة الصعبة التي قدمتها الكاتبة في شكل عملية تكثيف النص، ذلك التكثيف القائم أساساً على البساطة كما هو شرط القصة القصيرة الجيدة ، والذي نلتمس من خلاله صياغة مركب كامل أصيل يضمر ولا يعلن، ويتميز بالإحكام والإتقان والإيحاء، ويتعامل مع لحظات مجتمعية بعينها تموج بالدلالات، وذلك مما يحسب لهذه المجموعة فهو في تقديري ليس بالأمر الهين [عملية التكثيف في القصة القصيرة، يشترط فيها البساطة لا التسطيح، لذا فإن صياغة مركب كامل أصيل يضمر ولا يعلن، ويتميز بالإحكام والإتقان والإيحاء، ويتعامل مع لحظات إنسانية تموج بالدلالات، ليس بالأمر الهين [5]]، بل يحتاج إلى ” قدرة فائقة في التقاط الأحداث، والهاديات والدلالات، والتضمينات، والتلميحات، والمكنونات، والخبايا وإحساسات الفرد والتوحد، والاغتراب، ثم محاولة كشف أسرار ما استغلق فهمه للوهلة الأولى “.
ولما كان النسيج النصي لهذه القصص القصيرة، نسيجاً مكثفاً يضمر ولا يعلن، فإن فهمه في تقديرنا يحتاج إلى عمليات تأويل تمكننا من خرق خباياه والكشف عن مكنوناته المغلقة، ذلك أن التجريد الذي يميز بعض قصص هذه المجموعة، ليس ذلك التجريد الذي يصل إلى مراتب الألغاز والغموض والإبهام والتعتيم، بل هو تجريد يتوفر فيه الجانب التعبيري الإيحائي الذي يحقق التواصل مع القارئ بصورة محكمة [لما كان النسيج النصي للقصة القصيرة، نسيجاً مكثفاً يضمر ولا يعلن، فإن فهمه يحتاج إلى عمليات تأويل تمكننا من خرق خباياه والكشف عن مكنوناته المغلقة، وعليه فقد ذهب بعض النقاد إلى أن القصة القصيرة تتسم بالتجريد، لكن ليس ذلك التجريد الذي يصل إلى مراتب الألغاز والغموض والإبهام والتعتيم، بل هو تجريد يتوفر فيه الجانب التعبيري الإيحائي الذي يحقق التواصل مع القارئ [6]].

(5)
قراءات في التكوين المعرفي السوسيولوجي للقاصة :
حينما شرعت في قراءة المجموعة وهي من الإصدارات القلائل التي أقرأها لكتاب عمانيين، وربما هو الإصدار الأدبي الأول الذي أقرأه للكاتبة مع متابعتي لكتاباتها الصحفية، دخلت إلى عمق السرد ويتردد في مخيالي مجموعة من الأسئلة :
هل تواجه القاصة العمانية مأزق الكتابة في تفاصيل وملامح الحياة الاجتماعية المعاشة؟ وكيف باستطاعتها توصيف الحياة الغائبة عن معايشتها أو بالأحرى عن معاينتها؟ فالمرأة في السياق العربي عموماً تعيش في المجتمع وتتحرك في مناطق حياتية شبه محدودة قد لا تسمح لها بالتعرف المعمق على ملامح بعض المفردات اليومية التي تقع خارج منطقتها الأنثوية. كنت أتساءل كيف يمكن للقاصة ردم هذه الفجوة وإن كانت بسيطة أثناء كتابة النص الأدبي ؟وهل تشعر بأن الذاكرة التي تتكئ على ما هو مقروء، وما هو مرئي باستطاعتها كتابة نص يتضمن مفردات الحياة بكل أطيافها والتي تكون خارج رتم المرأة الأنثوي أو خارج حدود مناطق الجندر؟ [هل تواجه القاصة السعودية مأزق الكتابة في تفاصيل وملامح الشارع؟ كيف باستطاعتها توصيف الحياة الغائبة عن معايشتها؟ فالمرأة بشكل عام في المجتمع تعيش وتتحرك في مناطق حياتية محدودة لا تسمح لها بالتعرف على ملامح هذه المفردات اليومية التي تقع خارج منطقتها الانثوية. كيف بالامكان ردم هذه الفجوة اثناء كتابة النص.. وهل تشعر بأن الذاكرة التي تتكئ على ما هو مقروء وما هو مرئي باستطاعتها كتابة نص يتضمن مفردات الحياة بكل اطيافها والتي تكون خارج رتم المرأة الانثوي؟ [7]]. مثل هذه التساؤلات حين تواجه بها بعض نصوص هذه المجموعة تكتشف ثمة خصيصة أساسية بالنسبة لتكوين المعارف السوسيولوجية للكاتبة وهنا أركز على المعارف بشقها الشعبي المعاش. وليس المعارف النظرية أو العلمية. وإنعكاس ذلك على المخيال الأدبي فالمسألة في (مجموعة الإشارة برتقالية الآن) تشغل مستويين من الإدراك:
- أولاً: الذاكرة النسوية المتسعة التي نجد أنها تحكي واقعها بلسان الأنثى ولكنها تعبر عن ذاكرة معمقة وأكثر اتساعاً مما قد يتصوره المتلقي من نص تكتبه أنثى
 [القاصة ميّ خالد تقول: المسألة تشغل مستويين من الإدراك، أولاً: الذاكرة النسوية التي تجهل تفاصيل وملامح الشارع تخفق كثيراً في رصد واقعه إلا مما تسمع وترى وفي حدود نمائمها الضيقة [8]]، أنا هنا لا أتحدث عن (جندر أدبي مفترض)، ولكن أتحدث عن سياق مجتمعي يرسم سقف توقعات محدد من نص تكتبه أنثى. وهذه إشكالية أقدر أن هدى حمد في هذه المجموعة استطاعت كسر قاعدتها. فاتساع قاعدة المنظار الاجتماعي الذي تسلط عليه هدى قلمها لرصده وتقديمه لا يتوقف عند حدود تشعر وكأنها تنتمي لذاكرة الأنثى التقليدية في الأدب.
وكمثال جزئي على ذلك تصوير الكاتبة لشخصية (حبيب بن زهور) في قصة (عرس) فرغم إن فهم وكشف إطار الشخصية وتصويرها هو أقرب للذاكرة الذكورية منه للذاكرة الأنثوية فإننا نجد أن الكاتبة صاغت الشخصية كتكوين (مادي) و(كسلوك) و(كبنية نفسية) و(كفعل اجتماعي وتفاعل مع المحيط) بصورة دقيقة جداً. لدرجة أن المتلقي يتماهى مع مشهد وحركات حبيب وتطور الشخصية داخل النص بصورة وكأنما يشاهد مشهداً مسرحياً حاضراً. وهذه الدقة في المعرفة السوسيولوجية الشعبية تحسب للكاتبة على وجه أدق.
- 
أما المستوى الثاني في الإدراك الذي نجده في هذا النص يتجاوز إطار وضع المرأة الداخلي وحياتها الخاصة على اعتبار أن الكتابة هنا سهلة والمادة متوفرة فتشتغل الكاتبة بعاطفتها ووجدانها وإن حكت قصت ما تعيشه في حياتها الاجتماعية الخاصة، وهذه الحياة الخاصة تمثل ما هو خارج أو غائب عن حياة الرجل [9] [لذا نجد أغلب الأدب النسوي في المملكة ينتظم ضمن إطار وضع المرأة الداخلي وحياتها الخاصة لأن الكتابة هنا سهلة والمادة متوفرة فتشتغل الكاتبة بعاطفتها ووجدانها وإن حكت قصت ما تعيشه في حياتها الاجتماعية الخاصة، وهذه الحياة الخاصة تمثل ما هو خارج أو غائب عن حياة الرجل]. ولكن هذه الحدود تتلاشى في الإشارة برتقالية الآن وإن كان الرابط الأساسي الذي ترتكز عليه قصص المجموعة يتخذ من الأنثى ثيمة أساسية له ولكنه يتجاوز ذلك ليطرح إشكالات وتساؤلات أكثر عمقاً وتعقيداً وبلاغة.
وليس أدل من ذلك على قصة (يدان) هذه القصة التي تتدرج بالقارئ لرسم مشاهد متنوعة من حياة المجتمع ترتكز على وحدة المرأة. هادفة إلى أن تقول أن 
المرأة في الحقيقة ، ليست نصف المجتمع فحسب، بل هيّ أيضا والدة ومربية للمجتمع بأسره في مدرسته الأولى على الأقلّ التي تطبعه إلى حد بعيد في بقية مراحل حياته، فإذا ما وقعت العناية بالمرأة وتم إيلاؤها ما يوافق قيمتها وأهـميّتها من الإعتبار الصّحيح والعناية الفائـقة، استقام المجتمع كله وصلح حاله . أمّا من أهملها وحطّ من قيمتها وإنسانيّتها وتجاهل وجودها كعضو فاعل في المجتمع، له قيمته المركزيّة، فقد هدم المجتمع أو على الأقـلّ، فقد أضرّ بالمجتمع ضررا بليغا [المرأة في الحقيقة، ليست نصف المجتمع فحسب، بل هيّ أيضا والدة ومربية للمجتمع بأسره في مدرسته الأولى على الأقـلّ التي تطبعه إلى حد بعيد في بقية مراحل حياته. من هنا تأتي أهميّة وضرورة العناية بالمرأة، بل وإعطاءها الأولويّة في ذلك على الرّجل. فالمرأة، على هذا الأساس، هيّ عماد المجتمع، فإذا ما وقعت العناية بها وإيلاءها ما يوافق قيمتها وأهـميّتها من الإعتبار الصّحيح والعناية الفائـقة، استقام المجتمع كله وصلح حاله. أمّا من أهملها وحطّ من قيمتها وإنسانيّتها وتجاهل وجودها كعضو فاعل في المجتمع، له قيمته المركزيّة، فقد هدم المجتمع أو على الأقـلّ، فقد أضرّ بالمجتمع ضررا بليغا [10]].
ورغم أن الكاتبة لا تقول ذلك بشكل مباشر وإنما تدفع بالمتلقي قبل كل شيء لتأمل الرموز والثيمات الأساسية وتفاصيل الشخصيات التي أحكمت صياغتها وانتقاءها داخل نص القصة، فنجد مثلا لون البياض الذي يدل على بدايات الطفولة والصفاء الذي لا يخلو من شغف ورغبة وشغب لذيذ، ثم لون الإخضرار الذي يدل على النضج والقوام, وهكذا بتدرج التفاصيل اللونية التي استخدمتها الكاتبة في مشهد القصة والوضعيات الدرامية التي تتحرك بشكل تدريجي داخل إطار النص. كل ذلك تحت مرأى من (كاميرا)، وهي رمز دلالي في تقديري يوازي (جهاز الضبط الاجتماعي) وسطوته، ذلك المجتمع الذي تختل فيه الأدوار ولا تتعادل فيه الأسس التي يبنى عليها سوسيولوجيا (الدور والوظيفة) بالنسبة للمرأة وعلاقتها بالرجل داخل المجتمع. فنجد بحسب تصور الكاتب (رغم أن هذه التصور لا يخلو من تحيز جندري واضح) ولكن هذا ليس شأن الناقد فالأديب إنما يعبر عن رؤية ذاتية للعالم والوجود من حوله وليس مطلوب منه كعالم الاجتماع النظر إلى المجتمع بزاوية موضوعية صرفة يتخللها الحياد.
تشير هدى هنا إلى ثبات المرأة في عمق التكوين البنيوي لدورها في المجتمع وهذا الثبات يتجسد على مستويات عديدة عكسها النص فهو ثبات (نفسي / سلوكي / عاطفي) تجاه المتغير الأساسي في النص وهو الرجل الذي يبدأ طفلاً حتى يصل كهلاً ومع ذلك فإن العناصر الثلاثة بالنسبة له تتغير في معادلة غير موزونة تفرز العديد من أشكال المشكل الاجتماعي.
“إنّنا لا نحسب أنّ ما مرّت به عديد المجتمعات، قديما و حديثا، من تخلّف و انحطاط وانحلال، كان قد حصل لها بمعزل عمّا وقعت فيه من إهمال لوضعيّة المرأة ودورها فيها وعدم إيجاد معادلة موزونة بين ما تقدمه المراة تربويا وعاطفيا وتنشوياً، و ما تعرضت له من إساءة خطيرة مخلّة بكرامتها وإنسانيّتها. ولو دقّقنا النّظر والتحليل لوضعيّة المجتمعات المتخلّفة وفي أسباب تخلّفها لوجدنا أنّ ذلك، في جزء كبير منه، يعود إلى الطبيعة السيئة لوضعيّة المرأة فيها. فإذا كانت المرأة مهملة ومحتقرة، تعيش وضعيّة الدّنيّة والجهل والقهر وسحق للشخصيّة وعدم الاعتبار، فلا غرابة أن ينشأ الأبناء أيضا عل الجهل وضيق الأفق وضعف الشخصيّة وتذبذبها.” إن نص (يدان) إنما هو نص مسرحي في دراميته ولقد ذكرتنا صفقة الباب بصفقة الباب الأشهر في تاريخ الفنون في أوروبا في مشهد مسرحية بيت الدمية لهنريك ابسن. ومما يدفعنا لقراءة هذا النص بعمق سوسيولوجي أكثر ونصوص أخرى في المجموعة هو ما يعبر عنه تودوروف الذي يؤكد على “إن الأدب يتجسد مادياً في بنية لغوية مؤسسة على مجموعة من العلاقات الداخلية، وأن هذه البنية اللغوية تشكلت من قبل أديب، وبالتالي تكتسب دلالتها من علاقتها به.مما يجعلها تشكل (بنية دالة) لا يمكن فهمها وتفسيرها إلا من خلال (الدراسة التكوينية) التي تفيد بأن هذه البنية ليست مغلقة وجامدة وإنما تتميز بالحركة والتوالد من بنية ذهنية هي (رؤية العالم). (رؤية العالم) لا ينتجها الأديب، وإنما هي مستمدة من رؤية العالم للطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها، هذه الرؤية التي لا توجد منعزلة في واقع تاريخي واجتماعي معين، وإنما توجد بموازاة الطبقات الاجتماعية المتعايشة معها…” وبعيداً عن مسألة الطبقة الاجتماعية فإن هذا النص يشكل رؤية للعالم منطلقة من فرد يمثل الجنس الآخر في المجتمع وبالتالي فهو يعطي لنا مساحات واسعة لتأويله ودرسه وفهمه توصلاً إلى فهم مبادئ التفكير والنظر التي تختلج مخيال الجنس الآخر المكمل في المجتمع. في تحولات أخرى موازية..؟




1 ريهام عبداللطيف، مشكلات المجتمع اليمني..تجاهلتها الدراسات الاجتماعية ورصدها الأدب. http://www.masress.com/alkahera/2113
2 محمد همام، لا تسامح النسق. http://www.mominoun.com/articles/%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D9%82-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AC%D9%84-%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A-116
3 محمد همام، لا تسامح النسق. http://www.mominoun.com/articles/%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D9%82-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AC%D9%84-%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A-116
4 آسية البوعلي، مضامين القصة العمانية القصيرة-مرحلة التسعينات نموذجا، https://asyahbuali.wordpress.com/2011/04/10/%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8F%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9/
5 آسية البوعلي، الاتجاهات السردية في نماذج من القصة العمانية القصيرة، https://asyahbuali.wordpress.com/2011/04/10/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%AC-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84/
6 آسية البوعلي، الاتجاهات السردية في نماذج من القصة العمانية القصيرة، https://asyahbuali.wordpress.com/2011/04/10/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%AC-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84/
7 طامي السميري، القاصة السعودية ومأزق الجهل بتفاصيل الحياة اليومية، http://www.alriyadh.com:8080/202005
8 المصدر نفسه
9 المصدر نفسه
10 نعمان عبدالغني، مكانة المرأة الإنسان في المجتمع العربي، http://www.asharqalarabi.org.uk/r-m/b-mushacat-mm.htm