الأحد، 13 مايو 2007

تشارلز


قصة: شيرلي جاكسون
ترجمة: أحمد حسن المعيني


في اليوم الذي بدأ فيه (لوري) الدراسة في الروضة، ودّع البنطال القطني ذا الحمالتين، والصديريّات، وارتدى الجينز الأزرق والحزام. راقبته في أول صباح ذاهبًا مع ابنة الجيران الأكبر منه، مدركة أن مرحلة من حياتي قد انتهت، فطفل الحضانة بصوته الرقيق تحوّل إلى شخص مختال طويل البنطال نسيَ أن يقف عند زاوية المنزل ليلوّح لي مودّعًا.

عاد إلى المنزل بالطريقة نفسها، بدويّ الباب نفسه، والقبعة الملقاة على الأرض، وفجأة يأتي صوته الخشن صاحئا: "ألا يوجد أحد هنا؟"

على الغداء تحدّث بوقاحةٍ إلى أبيه، ودلق حليب أخته الرضيعة، وذكر أن معلّمته قالت بأنه يُفترض بنا ألا نذكر اسم الرب عبثًا.

سألته عَرَضًا: "كيف كانت المدرسة اليوم؟"، فأجاب "جيدة". وسأله والده: "هل تعلمتَ شيئًا؟". نظر لوري إلى والده ببرود وقال: "لم أتعلم ولا شيء". فصححّتُ له قائلة: "أي شيء. لم أتعلم أيّ شيء".

قال لوري وهو يمسح الزبدة على رغيف خبز: "ولكنّ المعلّمة عاقبت ولدًا"، ثم أضاف وفمه مليء بالطعام: "لأنه كان مشاغبًا". فسألته: "ماذا فعل؟ ومن هو؟". فكّر لوري ثم قال: "اسمه تشارلز. كان مشاغبًا. عاقبته المعلّمة وجعلته يقف في زاوية الفصل. كان شديد الشغب". سألتُ مجددًا: "ماذا فعل؟" إلا أن لوري انسلّ من فوق كرسيه، وأخذ كعكة ثم تركنا بينما كان والده يخاطبه.

في اليوم التالي قال لوري على الغداء فور جلوسه: "تشارلز كان سيئًا اليوم أيضًا". علت وجهه تكشيرةٌ كبيرة وهو يقول: "اليوم ضرب تشارلز المعلّمة". "يا إلهي" قلتها منتبهة إلى اسم الرب، "لا بد أنه عوقب مجددًا، صحيح؟". أجاب لوري: "أكيد". ثم قال لوالده: "انظر للأعلى". سأله والده ناظرًا للأعلى: "ماذا هناك؟". فقال لوري: "انظر للأسفل. انظر إلى اصبعي. هيا بسرعة..كم أنت غبي". وبدأ يضحك بجنون.

سألتُ بسرعة: "لماذا ضرب تشارلز المعلّمة؟". قال لوري: "لأنها حاولت أن تجعله يلوّن بأقلام تلوين حمراء. أراد تشارلز أن يلوّن بالأخضر فضربها ثم عاقبته وقالت لنا ألا نلعب مع تشارلز، ولكن الجميع لعب معه".

في اليوم الثالث- وقد كان الأربعاء من أول أسبوع- لوّح تشارلز بنوّاسة على رأس صبية فأدماها، فأجلسته المعلّمة في الفصل طوال وقت الفسحة. في يوم الخميس أوقفته المعلّمة في زاوية الفصل خلال حصة القصص لأنه كان يضرب بقدميه على الأرض. في يوم الجمعة حُرم تشارلز من الكتابة على السبورة لأنه كان يرمي بالطباشير.

في يوم السبت قلت لزوجي: "هل تعتقد أن الروضة شديدة التشويش على لوري؟ كل هذه الخشونة والأخطاء اللغوية، ويبدو أن لذلك الولد تشارلز تأثيرًا سيئًا عليه". قال زوجي مُطَمْئنًا: "سيكون كل شيء على ما يرام. لا بد أن يوجد أشخاص في العالم مثل تشارلز. قد يصادفهم اليوم كما يصادفهم غدًا".

وفي يوم الإثنين عاد لوري إلى المنزل متأخرًا، ومُحملا بالأخبار. صاح وهو يقترب: "تشارلز". كنتُ أنتظر بقلق على الدرجات الأمامية للمنزل. قال وهو يصعد التلة: "تشارلز كان سيئًا اليوم أيضًا". قلتُ فور اقترابه: "ادخل، فالغداء جاهز".

سأل بإلحاح وهو يتبعني: "أتعرفين ماذا فعل؟. لقد صرخ عاليًا في المدرسة حتى أنهم أرسلوا ولدًا من الصف الأول ليقول للمعلّمة يجب عليها أن تُسكت تشارلز، لذا أبقتْهُ في المدرسة بعد انتهاء الحصص. وهكذا بقي جميع الأطفال ليشاهدوه".

سألتُ: "ماذا فعل؟"، فقال لوري وهو يصعد على كرسيه أمام الطاولة: "كان جالسًا هناك فقط".

- مرحبا بابي يا بابي..يا ممسحة الترابي..

قلتُ لزوجي: "أُبقيَ تشارلز في المدرسة بعد انتهاء الحصص".

- الكل جلس معه.

سأل زوجي لوري: "كيف يبدو هذا التشارلز؟"

- ما اسم ابيه؟

قال لوري: "إنه أكبر مني. وليس لديه أية ممحاوات ولا يرتدي حتى معطفًا".

مساء الاثنين كان أول اجتماع أولياء الأمور مع المعلّمين، ولم يمنعني من الحضور سوى أن طفلتي أصيبت بنزلة برد. كنتُ أرغب بشدة في لقاء والدة تشارلز. في يوم الثلاثاء قال لوري فجأة: "اليوم كانت هناك زيارة لمعلّمتنا في المدرسة".

فسألتُ وزوجي بصوت واحد: "والدة تشارلز؟". قال لوري بامتعاض: "لاااا. كان رجلا، وقد جعلنا نؤدي بعض التمارين. هكذا". قفز من كرسيه ثم قرفص ولمس أصابع قدميه. عاد بكآبة إلى كرسيه والتقط شوكته ثم قال: "تشارلز لم يؤدي التمارين حتى". قلت بحماس: "لا بأس. ألم يرغب تشارلز في تأدية التمارين؟". فقال لوري: "لااااا. كان مشاغبًا جدًا مع صديق المعلّمة، حتى أنه لم يُسمح له بأداء التمارين". قلتُ: "مشاغبًا مرة أخرى؟".

قال لوري: "لقد ركل صديق المعلّمة. طلب صديق المعّلمة من تشارلز أن يلمس أصابع قدميه كما فعلتُ للتو، فركله تشارلز".

سأله والده: "ماذا تعتقد أنهم سيفعلون بشأن تشارلز؟". هزّ لوري كتفيه وقال: "أظنهم سيطردونه من المدرسة".

كان يوما الأربعاء والخميس اعتياديين: تشارلز صرخ في حصة القصص وضرب ولدًا في بطنه فأبكاه. وفي يوم الجمعة بقي تشارلز بعد انتهاء الحصص مرة أخرى وبقي معه الأطفال الآخرون.

ومع حلول الأسبوع الثالث من الروضة أصبح تشارلز عُرفا في أسرتنا: كانت الطفلة تشارلزًا عندما بكت طوال الظهيرة. ارتكب لوري تشارلزًا عندما ملأ عربته بالوحل وسحبها على أرضية المطبخ. حتى زوجي، عندما اشتبك مرفقه بسلك الهاتف وأطاح بالهاتف ومنفضة السجائر والمزهرية من على الطاولة، قال بعد دقيقة: "كان ذلك تشارلزيًا".

خلال الأسبوعين الثالث والرابع بدا أن هناك تغييرًا إصلاحيًا في تشارلز. أخبرنا لوري على الغداء في يوم الخميس من الأسبوع الثالث بتجهم: "كان تشارلز جيدًا جدًا اليوم وأعطته المعلّمة تفاحة".

قلت: "ماذا؟؟" وأضاف زوجي بحذر: "تقصد تشارلز؟". قال لوري: "تشارلز. قام بتوزيع أقلام التلوين على الأطفال وجمع الكتب لاحقا من الجميع، وقالت المعلّمة بأنه كان خير مُعاون". سألتُ باستنكار: "ما الذي حدث؟". قال لوري هازا كتفيه: "كان مُعاونًا لها. هذا كل شيء".

سألتُ زوجي تلك الليلة: "هل يمكن أن يكون هذا حقيقة؟ ذلك الأمر مع تشارلز؟ هل يمكن أن يحدث شيء كهذا؟". قال زوجي بشكّ: "انتظري وسنرى. عندما يكون شخص كتشارلز، قد يعني الأمر أنه يخطط لشيء ما".
بدا أنه كان مخطئًا. لأكثر من أسبوع كان تشارلز مُعاونًا للمعلّمة. كل يوم كان يوزّع بعض الأشياء في الفصل ويجمعها. ولم يعد يبقَ أحدٌ بعد انتهاء الحصص.

قلت لزوجي ذات مساء: "اجتماع أولياء الأمور والمعلّمين الأسبوع القادم. سأرى والدة تشارلز هناك". قال زوجي: "اسأليها ماذا حدث لتشارلز. أودّ أن أعرف". فقلت: "أودّ أن أعرف أنا أيضًا".

في جُمعة ذاك الأسبوع عادت الأمور كما كانت. سأل لوري على طاولة الغداء بصوت يشوبه قليل من الخوف: "أتعرفان ما فعل تشارلز اليوم؟ قال لطفلة أن تقول كلمة، وقالتها، فغسلت المعلّمة فم الطفلة بالصابون بينما كان تشارلز يضحك".

سأله والده بغير حكمة: "أي كلمة؟" فقال لوري: "عليّ أن أهمس بها لك، فهي بذيئة جدا". نزل من كرسيه وذهب إلى والده. احنى والده رأسه وهمس له لوري بمرح. اتسعت حدقتا والده وسأل: "هل قال تشارلز للطفلة أن تتلفظ بهذا؟". قال لوري: "قالتها مرتين. قال لها تشارلز أن تقولها مرتين". فسأل زوجي: "وماذا حدث لتشارلز؟". قال لوري: "لا شيء. كان يوزّع أقلام التلوين".

في صباح الاثنين تخلى تشارلز عن الطفلة وقال الكلمة البذيئة بنفسه ثلاث أو أربع مرات، وغُسِل فمه بالصابون في كل مرة. وقد رمى بالطباشير أيضًا.

رافقني زوجي ذلك المساء إلى الباب بينما كنت متجهة إلى اجتماع أولياء الأمور. قال: "ادعيها لشرب الشاي بعد الاجتماع. أريد أن أراها". قلتُ برجاء: "إن كانت موجودة". فقال زوجي: "ستكون هناك. لا أتصور أنهم يعقدون اجتماعًا كهذا دون حضور والدة تشارلز".

في الاجتماع جلستُ متململة، أتفحص كل وجهٍ كهلٍِ مرتخ، أحاول أن أحدد أيها يخفي سرّ تشارلز. لم يبد أي وجه منهكًا بما فيه الكفاية. لم تقف واحدة في الاجتماع لتعتذر عن سلوك ابنها، ولم يذكر أحدٌ تشارلز.

بعد الاجتماع بحثتُ عن معلّمة لوري في الروضة. كانت تحمل صحنًا وكوب شاي وكعكة شوكولاتة. وكنت أحمل صحنًا وكوب شاي وكعكة خطميّ. ناورنا حول بعضنا بحذر وابتسمنا.

قلتُ: "كنت متلهفة للقائك. أنا والدة لوري". فقالت: "نحن كلنا مهتمون بلوري". قلت: "أنا متأكدة من أنه يحب الروضة. إنه يتحدث عنها طوال الوقت". قالت بتكلف: "كنا نعاني من مشكلة التكيّف في أول أسبوع أو أكثر، ولكن الآن هو متعاون بشكل جيد. مع بعض الانتكاسات بالطبع". قلت: "عادة ما يتكيف لوري بسرعة شديدة. أظنّ الأمر متعلق بتأثير تشارلز عليه".

- تشارلز؟

قلت ضاحكة: "نعم، لا بد أن لديك الكثير من المتاعب في الروضة، مع تشارلز".

- تشارلز؟ لا يود لدينا تشارلز في الروضة.