الأربعاء، 30 مايو 2012

تصريحات غير موفقة لنائب رئيس الجامعة


تناقل العديد من العمانيين بالأمس في شبكات التواصل الاجتماعي خبرَ الإعلان عن طرح تخصص العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس وتغيير مسمى كلية "التجارة والاقتصاد" إلى "الاقتصاد والعلوم السياسية"، وكان من الواضح أن الإحساس العام هو السعادة بهذا التوجه رغم تشكك البعض وتحفظهم إلى أن تتضح معالم التخصص الجديد. في كل الأحوال أعتقد أنها خطوة ممتازة، إذ لا بدّ للجامعة الكبرى في عُمان أن تسعى لطرح تخصصاتٍ هامةٍ كهذه، ومن محاسن الصدف أن نقاشًا جرى في موقع "تويتر" قبل الإعلان بيوم أو يومين حول غياب تخصصات الفلسفة والعلوم السياسية في الجامعات العمانية. نحن في عُمان بحاجةٍ إلى جيلٍ يمتلك وعيًا سياسيًا يسهّل عليه استيعاب وتحليل ما يحدث في العالم الذي غدا مفتوحًا بلا أية قيود، ومن الأفضل أن يتشكل هذا الوعي السياسي بشكلٍ علمي ومنهجي رصين. بالأمس كنتُ أقول في نفسي: يجب أن نقدّم التحية للجامعة على هذه الخطوة التي ما كان يجب أن تتأخر أكثر من ذلك.

أما اليوم فقد شعرتُ بانزعاجٍ بعد قراءة التغطية الصحفية التي نُشرت في جريدة عُمان حول المؤتمر الصحفي الذي تم الإعلان فيه عن طرح التخصص الجديد، ولستُ متأكدًا ما إذا كانت هذه التصريحات قيلت حرفيًا كما هي مكتوبة أم أن الصياغة قد تغيّرت مع التحرير الصحفي. إن كانت قِيلت هكذا، فلا بدّ للمسؤولين في الجامعة أن يعيدوا النظر بجدية في طريقة خطابهم للإعلام، خاصة وأن تصريحاتهم تمثّل المؤسسة الأكاديمية الأكبر في السلطنة. وهنا سأعلق سريعًا على إجابتين تفضل بهما الدكتور نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية وخدمة المجتمع، وهو المكلّف برئاسة فريقٍ يقدّم تصورًا لإعادة هيكلة كلية "التجارة والاقتصاد" وإعداد برنامج العلوم السياسية. وعسى أن يتقبل ملاحظاتي هذه بصدرٍ رحب، رغم أنه في رأيي يستحق-على هذه التصريحات- نقدًا لاذعًا.

أولا: حينما سُئل نائب الرئيس عن مدى حاجة سوق العمل إلى هذا التخصص قال: "نظرًا للتوجيهات السامية لا بد من وجود حاجة ملحة وضرورية، إلا أنه لا يوجد لدينا في الوقت الحالي تصور عن طبيعة الوظائف التي يمكن أن يشغلها خريجو هذا البرنامج...". الجزء الأول من الإجابة (بحرفيّته) يعكس مصيبة كبرى ويشكّل للقارئ صدمة حقيقية، إلا أنني سأحسن الظنّ وأقول بأنّ التعبير قد خان نائب الرئيس، وأنه أراد القول بأنّ توجيهات جلالة السلطان لا بدّ أن تكون قد جاءت بعد دراسةٍ ومقترحاتٍ من مستشارين ذوي كفاءة وخبرة. أما الجزء الثاني من الإجابة فمن الخطأ أن يصدر عن مسؤول. أتساءل هنا كيف لجامعةٍ أن تُعلن عن طرح تخصصٍ ما وهي لا تملك أي تصورٍ عن الوظائف التي سيشغلها الخريجون؟ لنقل إنّ الأمر في حقيقته ليس كذلك، لأنّ الخبر المنشور يذكر قيام الجامعة بدراساتٍ بعد تلقي الأوامر السامية، ومن الطبيعي جدًا أن أية دراسة مبدئية لا بد أن تتطرق إلى مخرجات التخصص والمهارات التي ستكتسبها، والحيّز الاجتماعي والمهني الذي ستشغله. أريد فعلا أن أحسن الظنّ، إلا أنّ بقية الإجابة تزيد الأمر تعقيدًا حين يقول نائب الرئيس: "إلا أنه لا توجد لدينا رؤية حول ما هي طبيعة الخريج ولكننا بدأنا في التشاور مع الجهات المعنية التي من الممكن أن توظّف الخريج بها". أتفهّم أن لا تكون هناك رؤية نهائية كاملة، ولكن القول بأنه لا توجد رؤية حول طبيعة الخريج فهذه مشكلة، وأقلّ ما يُمكن أن يُفهم منها هو أنّ الجامعة تسارع إلى "تطبيق الأوامر" دون أن تعرف ماذا تفعل. في مؤتمرٍ صحفي ينتظر منه المجتمع أن يعرف إجاباتٍ واضحة لا يصحّ أن تظهر الجامعة بخطابٍ غامضٍ كهذا. ولا بدّ أن نعترف للجامعة بحسن التدبير فيما يختص بالتشاور مع سوق العمل، فهذا التعاون أصبح أمرًا تدعو إليه معظم أدبيات التعليم العالي وتصميم المناهج

ثانيًا: حينما سُئل نائب الرئيس عن المناهج والجامعات التي ستعتمد عليها الجامعة في تدريس هذا التخصص قال بأن: " هناك مصدرين أساسيين سيتم الاعتماد عليهما في برنامج العلوم السياسية وهم النهج السياسي الحكيم للسلطنة الذي لا بدّ أن يكون جزءًا متأصلا في هذا البرنامج والخبرة العالمية من معارف ومهارات...فنحن متوجهون إلى المجتمع والسياسة الحكيمة للسلطنة كمنهج". مع شديد احترامي لسيادة نائب الرئيس، إلا أنّ هذا الكلام لا يصحّ أن يصدر عن مسؤول في مؤسسةٍ أكاديمية، ولا يشير إلى أية معرفةٍ بتخصص العلوم السياسية. كيف تحكم على نهج السلطنة بأنه حكيم وتفرض هذا الحُكم على الطلاب قبل تدريسه؟ لماذا لا بدّ أن يكون جزءًا متأصلا في البرنامج؟ وكيف للسياسة العمانية أن تكون جزءًا "متأصلا" دون أن يكون لدينا منظرون سياسيون أصلا؟ هل نحن بصدد تدريس مرحلةٍ متقدمة من منهج "التربية الوطنية"؟ ليس من حقّ الجامعة أن تفعل ذلك، خاصة وأنّ أحد أهداف دراسة العلوم السياسية هو القدرة على تحليل السياسات ونقدها، لا تمجيدها. كنتُ أتوقع من نائب الرئيس أن يكون قد اطّلع على أيّ منهجٍ متّبع في العالم، ويشير إلى تدريس مواد مثل "مبادئ العلوم السياسية" و"القانون الدولي" و "الأيديولوجيات السياسية" و "حقوق الإنسان" و "العلاقات الدولية" و "علم الاجتماع السياسي" و "القضايا الدولية الراهنة" إضافة إلى السياسات الداخلية. نعم، أتفهم تمامًا أن تشعر الجامعة بالامتنان للتوجيهات السامية، ولكن ذلك لا يعني أن تسخّر التخصص لتمجيد سياسات الحكومة، فهذه ليست وظيفته.

أخيرًا، هذا ليس نقدًا للتخصص الجديد فحتى الآن لا تُعرف ملامحه، ولكنها ملاحظات على الخطاب الإعلامي الذي لم يكن موفقًا أبدًا من جانب نائب رئيس الجامعة.

السبت، 19 مايو 2012

رد على الافتراء ضد عُمان في مسألة الاتحاد الخليجي


في الفترة القليلة الماضية كثُرت الانتقادات الموجّهة لحكومة سلطنة عمان على خلفية تحفظها على مشروع الاتحاد الخليجي الذي نُوقش مؤخرًا في قمة الرياض. وتبدّت هذه الانتقادات ما بين هجومٍ لاذع وعتبٍ متسائل، ونحن يجب أن تكون صدورنا مفتوحة لإخوتنا في الخليج نتقبل نقدهم وعتابهم، وبالحوار نصل إلى نقاطٍ مُشتركة.

ولكن ما أثار انتباهي هو تكرار مقولةٍ عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يرددها عددٌ من الناس عوامهم ومفكروهم، بأنّ "عُمان كانت دائمًا ضد أي وحدة خليجية وتصرفها الأخير تكملة لهذا النهج". ولم يكن الأمر ليثير انتباهي لو كان يُطرح على أنه رأي وتحليل يصيب ويخطئ، وإنما يتم تداوله على أنه حقيقة تاريخية لا ريب فيها تتناقلها الألسن بسرعة وتؤمن بها فورًا.

لذا، وبغضّ النظر عن أي رأي شخصي في موضوع الاتحاد، ودون أن يكون رأيي ممثلا بالضرورة للرأي الرسمي في عُمان، توجّب عليّ أن أبيّن زيف تلك المقولة وتهافتها. هناك فرقٌ بين النقد وبين تزوير التاريخ، ونشر المزايدات على الوحدة والتكامل الخليجي. وفيما يلي أستعرض باختصار بعض الحقائق التي تثبت بأنّ عُمان كانت أوّل المبادرين والداعين إلى الوحدة الخليجية، ولا أقول وحدة اقتصادية، بل وحدة عسكرية أمنية كما يبدو أن الرياض تدعو لها الآن.

أولا، كانت عُمان ربما أول من دعا إلى وحدة الصف الخليجي أمنيًا في بداية السبعينيات، أي في بداية حكم السلطان قابوس. وهذا أمر مفهوم إذ كانت عُمان تواجه المدّ الشيوعي في الجنوب وتحاربه، لكن السلطان قابوس كان يريد إيصال فكرة هامة لإخوته في الخليج أنّ هذا المد الشيوعي لن يقف في عُمان بل سيسعى إلى اختراق الخليج كله. وأشار السلطان إلى ذلك في خطابه السنوي عام 1972 حين قال:

" وقد اتضح من خلال بيانات وتصريحات ما يسمى بالجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي. ان عمان ليست هدفا في حد ذاتها وانما هي الباب او المنفذ الذي تصور لهم اوهامهم اقتحامة الى سائر دول المنطقة لاغراقها في بحر من الدماء والتخريب والفوضى والفقر والالحاد والسلب والنهب وانتهاك الاعراض... نعجب لاؤلئك الذين يحسنون الظن بالشيوعيين وللمتهاونين الذين تخدعهم الشعارات الشيوعية فيتيحون لهم الفرص للاستفادة بها واستغلالها لإشاعة البلبلة ولاضطراب وللمخدوعين الذين يقللون من الخطر الشيوعي وانه بعيد منهم"

ولم يكتفِ السلطان بهذا الخطاب بل أخذ يروّج لفكرة الوحدة عبر لقاءاته مع إخوته القادة في دول الخليج واحدة بعد الأخرى طوال فترة السبعينيات (1). ويقول السلطان في حوارٍ له مع جريدة الرأي الأردنية بتاريخ 28 أبريل 1973: "الموقف فى ظفار كان أحد الموضوعات الرئيسية التى بحثتها أخيرا مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وقد أكدت له أن دول الخليج تتعرض للأخطار الخارجية تماما مثل سلطنة عمان"، ثم قال في حوار مع مجلة المصوّر المصرية بتاريخ 23 يونيو 1973: "لا ريب أن الاتحاد قوة، وهو إذا أمكن تحقيقه فإنه سيكون الدرع الواقى للمنطقة".

ثانيًا، كرر السلطان ترويجه لفكرة الوحدة الأمنية في خطابه السنوي لشعبه عام 1975 بشكلٍ صريح حين قال:" لقد حذرنا في خطابنا.. في العيد الوطني الرابع، وقلنا أن الحفاظ على امن المنطقة.. مسؤولية شعوب المنطقة كلها".

ثالثا، دعت عُمان في عام 1976 إلى اجتماعٍ لوزراء خارجية الدول الواقعة في الخليج بما فيها إيران والعراق لبحث فكرة الوحدة الأمنية ضد أية تهديدات خارجية، إلا أنّ تلك الدول لم ترَ ضرورة ملحة للوحدة (2).

رابعًا، في عام 1979 طرحت عُمان مجددًا فكرة التعاون الأمني العسكري بالتركيز على قضية الملاحة والتجارة عبر مضيق هرمز ضد أية تهديدات، واقترحت أن يتم ذلك بالتعاون مع قوى عظمى لها قدرات عسكرية وخبرة في التأمين. والذي حدث أنّ عددًا من دول الخليج تحفظت على الفكرة، وأبرزها المملكة العربية السعودية التي كانت ترفض أي دورٍ أمريكي في المنطقة، مما يبدو أنه رد فعل على اتفاقية كامب ديفيد (3). وهكذا ذهب الاقتراح أدراج الرياح.

خامسًا، بعد غزو العراق للكويت، ثم تحريرها اجتمع القادة في قمة الكويت عام 1991، وهنا طرح السلطان قابوس بحماسة شديدة فكرة "الجيش الخليجي الموحد" يكون قوامه مائة ألف جندي خليجي، لصدّ أي عدوان وتهديد لأمن الخليج كما حدث من العراق ضد الكويت والسعودية। وقدّم السلطان قابوس ورئيس الأركان العسكرية مشروعًا مفصلا متكاملا، إلا أنّ دول الخليج تحفظت واحدة بعد الأخرى ووأدت فكرة السلطان بدعوى إحالة الموضوع "للدراسة" (4)। وبعد سنوات تم تعزيز قوات درع الجزيرة التي كانت موجودة منذ الثمانينيات ولكن بشكل ضئيل.

كانت هذه إشارات للرغبة العمانية المتواصلة في إنشاء وحدة خليجية عسكرية أمنية، ليس فقط لحماية عُمان بل كامل الخليج، بل إن فكرة الجيش الموحد جاءت في وقتٍ لم تكن عمان فيه مهددة بل الكويت والسعودية. فنتمنى على إخوتنا في الخليج أن يتذكروا التاريخ ويقرؤوه جيدًا قبل قذف التهم بين الأشقاء.

وأخيرًا، فإن ما ذكرته آنفًا ليس دفاعًا عن الموقف الرسمي للسلطنة (والذي لم تُعلن أسبابه أساسًا)، ولكن دفاعًا عن التاريخ ضد أي تزوير، ولو كان هذا الكلام قيل عن أية دولة خليجية أخرى لكتبت الشيء نفسه. جلّ ما نريده هو أن نتحاور بهدوء كي يكون بيننا اختلاف لا خلاف، فهكذا يُبنى الاتحاد، ولا يُبنى على التشكيك لمجرد اختلاف في وجهة نظر.

المراجع
1- انظر: ابراهيم نوار، "السياسة الخارجية العمانية من العزلة إلى دبلوماسية الوساطة":
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=217392&eid=13
2- انظر: John Reese and Joseph Englehardt, ‘Toward Collective Security in the Gulf: An Evolving United States Role in Support of the GCC States.
http://www.dtic.mil/dtic/tr/fulltext/u2/a236050.pdf
3- المصدر السابق.
4- انظر: ابراهيم نوار (مصدر سابق)، "ترتيبات الأمن في منطقة الخليج العربي بعد تحرير الكويت" من موسوعة "مقاتل في الصحراء":
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/IraqKwit/30/sec06.doc_cvt.htm
وانظر أيضًا: ظافر العجمي "تفكيك درع الجزيرة: نهاية حلم الأمن الجماعي الخليجي":
http://gulfsecurity.blogspot.co.uk/2007/09/blog-post_17.html
وانظر أيضًا: Mohammed al-Rumaihi “The Gulf Monarchies: Testing Time”
http://www.meforum.org/422/the-gulf-monarchies-testing-time

الأحد، 13 مايو 2012

الخادمة موظفة أم..؟


من المتعارف عليه في أخلاقيات العمل أنّ للموظف الذي يعمل لديك حقوقًا عليك، مثلما عليه واجبات تجاهك. وإنْ كان الهدف الأساسي لربّ العمل هو تحقيق الحدّ الأقصى من الفائدة من الموظف، فإنّ من حقّ هذا الموظف أيضًا أن تضمنَ له التطور في إمكانياته، لا رفع مخصصاته فحسب. فإذا جئتَ بمنسّق أو سكرتير، وعمل لديك خمسة أعوام ثم خرج من عندك وإمكانياته لا تؤهله إلا أن يعمل سكرتيرًا في مكانٍ مشابه، فأنت قد قصّرت في حقه.

قد يكون هذا المفهوم مفعّلا في سوق العمل (وفي بعض الأحيان في القطاع الخاص أكثر من الحكومي) إلا أنه غائب تمامًا في المنزل؛ فالغالبية العظمى منا (إن لم نكن جميعنا) لا تنظر إلى الخادمة أو العاملة على أنها موظفة. صحيحٌ أننا نوفر لها المسكن، والغذاء، والعلاج، وتذاكر السفر، وأحيانًا بعض الترفيه، إضافة إلى الراتب الشهري، ولكنّ هذه الخادمة مهما قضت مع مخدوميها من سنين، وإن وصلت 15 سنة، فإنها تعود إلى بلادها بالنقود التي ادّخرتها لا غير، وليس لها إلا أن تبحث عن مخدومٍ آخر. في هذا السياق، هل الخادمة أقرب إلى الموظفة..أم العبدة؟

في تقديري أننا نستقدمُ عبيدًا لا موظفين، نبحث عن العمالة التي تقبل بأي شي وأقل شيء، والتي لا تعرف ولا تستطيع أن تطالب بحقوق لا نريد نحن أن نوفرها। لذلك نحن نستقدم الخادمات من البلاد الفقيرة، ولا نفكر مجرد التفكير في البحث في دول شرق أوروبا مثلا। الخادمة التي نعطيها خمسين ريالا في الشهر، ولا يوجد تحديد واضح لساعات عملها الذي يبدأ في الفجر ولا ينتهي إلا قرب منتصف الليل، والتي لا نقبل بحالٍ من الأحوال أن تجلس معنا على المائدة لتناول الغداء أو العشاء، والتي يمنعها مخدومها من السفر إلى أهلها في إجازة قصيرة إلا بعد سنواتٍ طوال، والتي تنهرها ربّة البيت ليل نهار، ويتحرش بها "شباب البيت" إلا من رحم الله، والتي لا يُسمح لها حتى بتلفازٍ في غرفتها—هذه الخادمة ليست موظفة، بل عبدة।

تُرى هل فكّر أحدنا أن يساعد خادمته على تطوير قدراتها؟ على انتشال نفسها من الخدمة في البيوت إلى وظيفةٍ أفضل؟ هل فكّر أحدنا يومًا أن يوفر لها شيئا من التعليم؟ ربما دورة في لغةٍ أجنبية (غير العربية المكسرة طبعًا) أو دورة في تعليم الخياطة أو أي صنعةٍ أخرى يمكن للخادمة أن تتكسب منها بعد انقضاء خدمتها؟ أمّ أنّ ما نريده نحن هو أن تظلّ خادمة طوال عمرها؟

إن روح الإسلام لا تدعو فقط إلى إزاحة العبودية بمفهومها الحرفي، بل إلى تحقيق حرية الإنسان بمعناها الواسع، والتي يدخل من ضمنها حق التنمية الذاتية. وإن كنا نسعى إلى التمسك بهذه الروح، فلنفكر قليلا في إتاحة الفرصة للخدم أن يطوروا من أنفسهم، حتى لا يكونوا عبيدًا.