الأربعاء، 19 مارس 2014

الاستِبلاه..أو الاستهبال الثقافي

قبل فترة تنامت إلى علمي أحاديث عن شاب عماني صغير ما يزال طالبا في الجامعة، لكنه حسب ما يقولون "فلتة"، له كتابات فكرية عميقة، بل إنه أصدر (أو على وشك إصدار) كتبا فكرية، وله معجبون كثيرون في وسائل التواصل الاجتماعي يتبادلون مقالاته و"ينهلون" من ثقافته العالية.
كنت قد تركت وسائل التواصل الاجتماعي منذ فترة، لذلك لم أهتم كثيرا بهذه "الظاهرة"، وهي لا شك ظاهرة فريدة في مجتمعنا أن يظهر شاب صغير لديه كتابات فكرية واجتماعية عميقة. لم أكوّن أي فكرة عن هذا الشاب سوى الرغبة الداخلية أن نرى مثل هذه النماذج في ازدياد، ولكنني لم أقرأ له شيئا.
في فجر اليوم وبالصدفة وقعتُ على المقال الجديد لهذا الشاب المفكر "الفلتة"، وقلت حان الوقت لأقرأ له شيئا. في الحقيقة قرأت المقال بعين الأستاذ الناقد، بل المتصيد للأخطاء (وهذا صفة لا أنكرها، بل أجدها مفيدة جدا لمدرّس جامعي)، ووفقا لهذه القراءة "المتشككة" والتي اعتدتُ عليها عند قراءة أبحاث الطلاب (إذ الطالب الجامعي في مؤسساتنا التعليمية بالنسبة لي متهم حتى تثبت براءته)، تكوّن لديّ انطباع بأنّ المقال مسروق، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكتبه طالب جامعي في عُمان (والمدرّسون أعلم بمستويات الطلاب).
بطبيعة الحال تتكوّن لدى المدرّسين الجامعيين مهارات خاصة في "اكتشاف" السرقات الأدبية/البحثية، ودون جهد كبير تحققت من أنّ المقال هذا مسروق..مسروق..مسروق! لكنّ هذا الفتى لا يخلو من بعض ذكاء، إذ إنه تجاوز بعض اللصوص الخائبين الذين ينقلون المقالات بأكملها، فهو لا يسرق من مصدر واحد، بل ينوّع في مصادره، ويعمل في كثير من الأحيان على إعادة الصياغات.

السرقات
أولا، بالنسبة للعنوان "بين الأدب والبلاهة"[1] فهو مسروق من مقال قديم لياسر حارب بعنوان "أدباء أم بلهاء"[2]. وفي الفقرة الأولى من المقال نجد أن الجملة التالية مسروقة بالكامل من مقال لأحمد حسين عسيري في جريدة المدينة عام [3]2011:
"وما ينجم عنه من تفاعل بين الفرد والمجتمع الفرد بمساهمته والمجتمع باحتوائه لها وتكثيفها إلى درجة النفع العام ولا يتحقق ذلك إلا عبر المكون الأكبر لمحتوى هذا التفاعل، وهو ما يعرف بالبناء الاجتماعي، وبمكوناته من قيم ومعايير وأعراف ومستوياته المتدرجة لنسيجه وفي إطار الثقافة المجتمعية السائدة".

أما بقية المقال فهو عبارة عن سرقات من مقالين اثنين، الأول لياسر حارب المشار إليه أعلاه، والآخر لعبدالله محمد الناصر في جريدة الرياض عام 2006 بعنوان "الرواية العربية ومعجزة الجنس"[4]، ويمكن للقارئ أن يتبيّن الأجزاء المسروقة بوضوح شديد. وقد تكون هناك مقالات أخرى أيضا استُخدمت لكنني لم أواصل البحث.

ما يهمني في هذا المقام نقطتان اثنتان. أولا، علمتُ أنّ هذا "الكاتب" الشاب ينشر عمودا أسبوعيا في جريدة الشبيبة العمانية، وغيرها، ولديّ هنا عتب كبير على جريدة الشبيبة إذ إنّ هذه ليست المرة الأولى التي تستكتب فيها كاتبا سارقا، فقد حدث ذلك قبل سنوات مع أحد المترجمين، وبعثتُ إلى المحرر الثقافي في الجريدة آنذاك أنبهه إلى تلك السرقات، وأنه يجب أن يُفضح ذلك المترجم (نعم، أؤمن بوجوب فضح السرقات الأدبية وسارقيها)، لكنّه أبى واكتفى بإيقاف مقالات ذلك المترجم. من الواجب على صحفنا أن تقوم بواجبها في احترام القارئ والتحقق من مصداقية الكتّاب الذين تستكتبهم.
أما النقطة الثانية فهي أنني هنا أناقش مقالا واحدا لهذا الكاتب، ولم أتعرض لغيره. قد تكون له مقالات كتبها بنفسه، وقد يكون قارئا جيدا، وقد يكون وقد يكون، لكنّ من يقوم بسرقةٍ مثل هذه الموضحة أعلاه فلا مصداقية له إطلاقا. هذا وقد..أقول قد يكون هذا الشاب يعتقد أنّ هذه هي الطريقة في إجراء البحث، وقد حدث ذات مرة أن قالت لي طالبة في السنة الجامعية الأخيرة أنّ اقتطاع الأجزاء من المقالات والكتب دون الإشارة للمصدر هي الطريقة التي دُربوا عليها في إجراء البحوث! إن كان الأمر هكذا، فعلى جامعة السلطان قابوس (التي ينتمي إليها هذا الطالب) أن تحقق في الأمر، وإن لم يكن كذلك، فعليها في كل الأحوال أن تقوم بواجبها الأخلاقي في التحقيق مع هذا الطالب/الكاتب، ومن درس في جامعات الغرب يعرف أنّ الانتحال في الكتابة جُرم أكاديمي عظيم لا يُغتفر.   



[1] http://ruaa12.wordpress.com/2014/03/18/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%A7%D9%87%D8%A9/
[2] http://yhareb.com/wp/?p=479
[3] http://www.al-madina.com/node/329329
[4] http://www.alriyadh.com:8080/2006/02/02/article127347.html


هناك 10 تعليقات:

  1. بوركت يا أحمد.. كم نحتاج أمثالك

    ردحذف
  2. لا والله الا هذا الإستغفال

    ردحذف
  3. ناهيكم ان الكاتب يتفاخر احيانا كثيرة بان مقالته جمعته بكبار الكتاب.. الذين يعتبرهم زملاء.. وقد صرح بذلك في احد مقالاته..

    ردحذف
  4. إفادة الطالبة السنة الأخيرة بالجامعة المذكورة باطل، ولا يعقل أن تحكم على مؤسسة بهذا المستوى على طالبة واحدة لا تعلم اسس البحث وهي خريجة

    الله المستعان

    ردحذف
  5. هكذا هي عدسة اﻷكاديمي لها خاصية التعرف على ما نقل بدون مرجعه

    ردحذف
  6. مقال جرئ وقال ما يستحق ان يقال دون مجاملة او مواربة . ارجو ان تقرأ ردي على مقال بدر الجهوري . الله يكثر من امثالك يا المعيني حتى نرتاح من الحرامية . ع. الموسى - الكويت

    ردحذف
  7. مبارك استغل سرقاته وتحصل على سفرات خارجية وجوائز محلية للاسف ، الجريمة ليست بتلك السهولة وخاصة بعد ان اتضح ان اغلب مقالاته مسروقه كذلك

    ردحذف
  8. اعتقد ان الشهرة السريعة التى تأتى بها الشبكات الاجتماعية لشباب صغار مغرية جداا ، وربما مادفع الكثيرين منهم لارتكاب هذه الجريمة المعنوية بحق انتاج لآخرين .. ولكن مارأيك بسرقات كبار الأدباء و المثقفين والأكاديميين، والمحسوبين على النخب فى العالم العربى استاذ أحمد؟ فى العام 2008 آثار الدكتورمحمد قصيبات على موقع الثقافى "دروب" قضية (السرقات والانتحال ) التى شاعت فى عصر الانترنت بشكل ملفت لانتباه ، فى بعض اجزاء النقاشات تطرقنا لجزئية مايحدث بالجامعات العربية التى تغض الطرف عن سرقات علمية يقوم بها بعض الأساتذة الجامعيين لطلابهم فى مرحلة الدراسات العليا يتم اكتشافها ربما عن طريق الصدفة ، أولئك الاساتذة لاينتجون إلا أجيال مشوهة أكاديميا وعلميا ، لأسف هذا موضوع ينظر إليه الغالبية بروح اللامبالاة وهى من أسباب نكباتنا فى العالم العربى ..

    هذا رابط لواحدة من تلك المقالات : http://www.doroob.com/archives/?p=28912

    ردحذف
  9. مبارك الحمداني.. لا يستاهل ان اقرأ حروفه... هذا منذ ان عرفته صدفه.. عرفت انه منافق ومعلب وبعده بطران.. ههه الله يعين الكتاب والمثقفين!

    ردحذف
  10. مبارك الحمداني.. لا يستاهل ان اقرأ حروفه... هذا منذ ان عرفته صدفه.. عرفت انه منافق ومعلب وبعده بطران.. ههه الله يعين الكتاب والمثقفين!

    ردحذف