لقد تناولت معظم الأعمال الأدبية المنتجة في السياق العماني تطورات الأوضاع الاجتماعية في عُمان على نحو لم تستطع أن تقدمه الدراسات الاجتماعية، فيلاحظ أن الدراسات الاجتماعية المنجزة عن المجتمع العماني تواجه أوضاعا جعلتها تبتعد بدرجة أو بأخرى عن كثير من القضايا الجوهرية، ففي ظل إعوجاج المنهج وغلبة الدراسات الاستطلاعية المسحية على عمل الباحثين نجد أن الظواهر الاجتماعية المتولدة عن سياق تاريخي اجتماعي محدد، تتحول إلى ما يشبه الأساطير، فالظواهر التي تولدت بفعل عوامل اجتماعية وتاريخية محددة تختلط بتصورات غير واقعية تجعل منها لغزا غير قابل للإدراك، وفي ذلك الوضع نجد أن الأعمال الأدبية من المصادر الأكثر واقعية في تناول القضايا المتعلقة بالتاريخ الاجتماعي للمجتمع الحديث. الأدب يرصد استمرار أوضاع من مخلفات الماضي [تناولت معظم الأعمال الأدبية تطورات الأوضاع الاجتماعية في اليمن علي نحو لم تستطع أن تقدمه الدراسات الاجتماعية، فيلاحظ أن الدراسات الاجتماعية في اليمن تواجه أوضاعا جعلتها تبتعد بدرجة أو بأخري عن كثير من القضايا الجوهرية، ففي ظل المنهج الخاطئ لتلك الدراسات نجد أن الظواهر الاجتماعية المتولدة عن سياق تاريخي اجتماعي محدد، تتحول إلي ما يشبه الأساطير، فالظواهر التي تولدت بفعل عوامل اجتماعية وتاريخية محددة تختلط بتصورات غير واقعية تجعل منها لغزا غير قابل للإدراك، وفي ذلك الوضع نجد أن الأعمال الأدبية من المصادر الأكثر واقعية في تناول القضايا المتعلقة بالتاريخ الاجتماعي لليمن الحديث. الأدب يرصد استمرار أوضاع من مخلفات الماضي [1]] وكذلك يرصد في الآن ذاته حال الصدام الكامن بين أطراف ثلاثة في تكوين البنية الاجتماعية التي تشكلها في تقديري اليوم ثلاث مفاعلات رئيسية (قيم المجتمع المزعومة) و (حالة البحث المضطربة عن هوية مستحدثة) وكذلك (حالة المواجهة مع العصر بقيمه المعولمة وإشكالاته المعقدة وتفاعلاته المتشابكة).
هذه البنية الاجتماعية بنية كامنة في إطار التكوين السايكولوجي العام للفرد والمجتمع وهي بالضرورة تنطبع على سياق العديد من الأفعال الاجتماعية. وفي تقديري ما المجموعة القصصية المعنونة بـ “الإشارة برتقالية الآن” إلا محاولة جادة لكشف هذا الإنطباع على حالة الفعل الاجتماعي وقياس الإنعكاسات التطبيقية لحالة البنية الاجتماعية كما نفهما راهناً.
ومن هنا فإننا نرى ضرورة استحضار منهاج سوسيولوجي للفهم والتقصي يسير جنباً إلى جنب مع منهاج النقد الثقافي الذي ابتدعه علامه النقد العربي “عبدالله الغذامي”. فإذا كان الغذامي ركز على مسألة إدخال (الوظيفة النسقية) إضافة إلى الوظائف الست للغة، كما حددها رومان ياكوبسون، في النفعية والتعبيرية والمرجعية والمعجمية والتنبيهية والشاعرية أو الجمالية [إدخال الوظيفة النسقية إضافة إلى الوظائف الست للغة، كما حددها رومان ياكوبسون، في النفعية والتعبيرية والمرجعية والمعجمية والتنبيهية والشاعرية أو الجمالية.[2]] فنحن بحاجة ماسة اليوم للكشف عن الوظيفة السوسيولوجية في خط متواز مع الوظائف الأخرى. وحين أتحدث عن الوظيفة السوسيولوجية، وأركز على المصطلح بتركيبته الغربية فإنني أقصد ما يتجاوز كشف الأثر الاجتماعي إلى تحليل هذا الأثر وفق منهجيات علمية متاحة تتماهى معه وتصلح لتحليله.
والكشف عن هذه الوظيفة السوسيولوجية في تقديري أصبح اليوم مبدأ أساسيا من المبادئ التي يجب أن تقود مسيرة النقد في سياق السرد العماني وتحت مظلة هذا المختبر، حتى يتحول النص عندها، من مجرد تجلٍ أدبي إلى حادثة ثقافية واجتماعية تفهم وتحلل وتعتمل الأدوات لتفسيرها، لأي نص، كيفما كان انتماؤه الحقلي والتخصصي. ومع الحاجة إلى النقد الأدبي بمفهومه الأدبي الصرف, فإننا بحاجة إلى النقد السوسيولوجي الذي يركز على الدلالة السوسيولوجية والتي ترتبط من خلال علاقات متشابكة نشأت مع الزمن لتكون عنصراً اجتماعياً أخذ بالتشكل التدريجي إلى أن أصبح عنصراً فاعلاً، لكنه وبسبب نشوئه التدريجي تمكن من التغلغل غير الملحوظ وظل كامنا هناك في أعماق الخطابات، وظل ينتقل ما بين اللغة والذهن البشري فاعلاً أفعاله من دون رقيب نقدي لانشغال النقد بالجمالي أولا، ثم لقدرة العناصر النسقية على الكمون والتخفي ثانيا. وإذا كان النقد يشتغل النقد الثقافي وفق مفهوم “الجملة الثقافية” فإننا بحاجة للاشتغال على مفهوم “الجملة السوسيولوجية” متجاوزين المفهوم الذي تكرس مع النقد والبلاغة الكلاسيكيين مفهوم يمس الذبذبات الدقيقة للتشكل الاجتماعي للظاهرة وإنعكاسها في النص الأدبي [وإذا كان النقد الأدبي ينحصر في ضبط علاقة النص مع إنتاج الدلالة بنوعيها الصريح والضمني، فإن النقد الثقافي يركز على الدلالة النسقية التي ترتبط من خلال علاقات متشابكة نشأت مع الزمن لتكون عنصرًا ثقافيًا أخذ بالتشكل التدريجي إلى أن أصبح عنصرًا فاعلاً ، لكنه وبسبب نشوئه التدريجي تمكن من التغلغل غير الملحوظ وظل كامنًا هناك في أعماق الخطابات، وظل ينتقل ما بين اللغة والذهن البشري فاعلاً أفعاله من دون رقيب نقدي لانشغال النقد بالجمالي أولاً، ثم لقدرة العناصر النسقية على الكمون والتخفي ثانيًا، ويشتغل النقد الثقافي وفق مفهوم "الجملة الثقافية" متجاوزًا المفهوم الذي تكرس مع النقد والبلاغة الكلاسيكيين وهو "الجملة النحوية" و"الجملة الأدبية"؛ فالجملة الثقافية، بنظر الغذامي، مفهوم يمس الذبذبات الدقيقة للتشكل الثقافي الذي يفرز صيغه التعبيرية المختلفة [3]].
ففي (الإشارة برتقالية الآن) هناك مجموعة من الجمل السوسيولوجية المعتملة في إطار النص الذي يتكئ على تصوير (علاقة الجندر بالاختلالات الثقافية وحالة اللاتوازن التي يخلقها في العقل والفعل المجتمعي) وكذلك (المقولات الجاهزة للتنشئة الاجتماعية القائمة على الأفكار الاجتماعية المعلبة والإجابات الجاهزة) إضافة إلى (الفسح المجتمعي لبعض الأنماط التي تلبي رغبات المجتمع وفق تبريرات واهية تنافي منطق القيمة المزعومة).
إن الإشتغال على كشف حالة (التناقض المجتمعي) الذي يصوره النص يقتضي منا بالضرورة الكشف عن تفاصيل الوظيفة السوسيولوجية للقصص الواردة في السياق تلك الوظيفة التي تتحقق من خلال محاولة الكاتبة فضح ميل الثقافة إلى تمرير أنساقها تحت أقنعة ووسائل خفية؛ كالحيل الأخلاقية والقيم المزعومة. وفي تقديم هذه المجموعة ثمة سمتان بارزتان تميزان النصوص الواردة فيها الأولى دقة تمازج الخواص القصصية التي شكلت المبنى الحكائي الذي تقوم عليه قصص المجموعة، من خلال التركيز على مشاهد اجتماعية بعينها وكشفها في شكل فني يتميز بالتلميح والمواربة لا الإعلان أو التصريح [الخواص القصصية التي تشكل مبنىً حكائياً يركز على صورة ما أو يصف حادثة ما، أو يتخير لحظة من لحظات الإنسان فيعمقها، وزاوية من زوايا حياته فيركز عليها ويكشف عنها في نسيج فني يتميز بالتلميح والمواربة لا الإعلان أو التصريح [4]] وبذلك فإننا نجد أن هذه المجموعة تلاقت مع الجوهر الوظيفي للفن عامة من حيث إن ”ما يقوله الفن يستمد قيمته مما لا يقوله، مما يوحي به … الفن العظيم هو الذي يدرك روح الأشياء، هو الذي يدرك ما يربط الفرد بالكل، وما يربط كل جزء من اللحظة بالديمومة الأبدية “. وهذا الأمر يعكسه أيضا عنوان المجموعة (الإشارة برتقالية الآن) , فالكاتبة اختارت لونها المتفرد لإيصال رسالة (تنبيه) من وضع المرأة في سياقها المعاش في المجتمع، إضافة إلى التنبيه حول بعض المسكوت عنه في السياق الاجتماعي، ذلك أننا لو حللنا اللون البرتقالي نجد أنه محصلة لامتزاج الأحمر بالأصفر وفي ذلك فإن الدلالة اللونية هنا هي أقرب للأحمر في ترتيب الإشارة الضوئية منه إلى الأخضر . وعليه فإن هذا يعكس أن ثمة أوضاعا اجتماعية معاشة نحسب ظاهرياً أنها تسير بشكل جيد لا يمس المجتمع بإشكالات وظواهر تؤثر في حركته ولكنها في الحقيقة هي أقرب لحالة الإنفجار إذا ما تم التنبه إليها والمكاشفة حولها. أما السمة الثانية فهي المعادلة الصعبة التي قدمتها الكاتبة في شكل عملية تكثيف النص، ذلك التكثيف القائم أساساً على البساطة كما هو شرط القصة القصيرة الجيدة ، والذي نلتمس من خلاله صياغة مركب كامل أصيل يضمر ولا يعلن، ويتميز بالإحكام والإتقان والإيحاء، ويتعامل مع لحظات مجتمعية بعينها تموج بالدلالات، وذلك مما يحسب لهذه المجموعة فهو في تقديري ليس بالأمر الهين [عملية التكثيف في القصة القصيرة، يشترط فيها البساطة لا التسطيح، لذا فإن صياغة مركب كامل أصيل يضمر ولا يعلن، ويتميز بالإحكام والإتقان والإيحاء، ويتعامل مع لحظات إنسانية تموج بالدلالات، ليس بالأمر الهين [5]]، بل يحتاج إلى ” قدرة فائقة في التقاط الأحداث، والهاديات والدلالات، والتضمينات، والتلميحات، والمكنونات، والخبايا وإحساسات الفرد والتوحد، والاغتراب، ثم محاولة كشف أسرار ما استغلق فهمه للوهلة الأولى “.
ولما كان النسيج النصي لهذه القصص القصيرة، نسيجاً مكثفاً يضمر ولا يعلن، فإن فهمه في تقديرنا يحتاج إلى عمليات تأويل تمكننا من خرق خباياه والكشف عن مكنوناته المغلقة، ذلك أن التجريد الذي يميز بعض قصص هذه المجموعة، ليس ذلك التجريد الذي يصل إلى مراتب الألغاز والغموض والإبهام والتعتيم، بل هو تجريد يتوفر فيه الجانب التعبيري الإيحائي الذي يحقق التواصل مع القارئ بصورة محكمة [لما كان النسيج النصي للقصة القصيرة، نسيجاً مكثفاً يضمر ولا يعلن، فإن فهمه يحتاج إلى عمليات تأويل تمكننا من خرق خباياه والكشف عن مكنوناته المغلقة، وعليه فقد ذهب بعض النقاد إلى أن القصة القصيرة تتسم بالتجريد، لكن ليس ذلك التجريد الذي يصل إلى مراتب الألغاز والغموض والإبهام والتعتيم، بل هو تجريد يتوفر فيه الجانب التعبيري الإيحائي الذي يحقق التواصل مع القارئ [6]].
قراءات في التكوين المعرفي السوسيولوجي للقاصة :
حينما شرعت في قراءة المجموعة وهي من الإصدارات القلائل التي أقرأها لكتاب عمانيين، وربما هو الإصدار الأدبي الأول الذي أقرأه للكاتبة مع متابعتي لكتاباتها الصحفية، دخلت إلى عمق السرد ويتردد في مخيالي مجموعة من الأسئلة :هل تواجه القاصة العمانية مأزق الكتابة في تفاصيل وملامح الحياة الاجتماعية المعاشة؟ وكيف باستطاعتها توصيف الحياة الغائبة عن معايشتها أو بالأحرى عن معاينتها؟ فالمرأة في السياق العربي عموماً تعيش في المجتمع وتتحرك في مناطق حياتية شبه محدودة قد لا تسمح لها بالتعرف المعمق على ملامح بعض المفردات اليومية التي تقع خارج منطقتها الأنثوية. كنت أتساءل كيف يمكن للقاصة ردم هذه الفجوة وإن كانت بسيطة أثناء كتابة النص الأدبي ؟وهل تشعر بأن الذاكرة التي تتكئ على ما هو مقروء، وما هو مرئي باستطاعتها كتابة نص يتضمن مفردات الحياة بكل أطيافها والتي تكون خارج رتم المرأة الأنثوي أو خارج حدود مناطق الجندر؟ [هل تواجه القاصة السعودية مأزق الكتابة في تفاصيل وملامح الشارع؟ كيف باستطاعتها توصيف الحياة الغائبة عن معايشتها؟ فالمرأة بشكل عام في المجتمع تعيش وتتحرك في مناطق حياتية محدودة لا تسمح لها بالتعرف على ملامح هذه المفردات اليومية التي تقع خارج منطقتها الانثوية. كيف بالامكان ردم هذه الفجوة اثناء كتابة النص.. وهل تشعر بأن الذاكرة التي تتكئ على ما هو مقروء وما هو مرئي باستطاعتها كتابة نص يتضمن مفردات الحياة بكل اطيافها والتي تكون خارج رتم المرأة الانثوي؟ [7]]. مثل هذه التساؤلات حين تواجه بها بعض نصوص هذه المجموعة تكتشف ثمة خصيصة أساسية بالنسبة لتكوين المعارف السوسيولوجية للكاتبة وهنا أركز على المعارف بشقها الشعبي المعاش. وليس المعارف النظرية أو العلمية. وإنعكاس ذلك على المخيال الأدبي فالمسألة في (مجموعة الإشارة برتقالية الآن) تشغل مستويين من الإدراك:
- أولاً: الذاكرة النسوية المتسعة التي نجد أنها تحكي واقعها بلسان الأنثى ولكنها تعبر عن ذاكرة معمقة وأكثر اتساعاً مما قد يتصوره المتلقي من نص تكتبه أنثى [القاصة ميّ خالد تقول: المسألة تشغل مستويين من الإدراك، أولاً: الذاكرة النسوية التي تجهل تفاصيل وملامح الشارع تخفق كثيراً في رصد واقعه إلا مما تسمع وترى وفي حدود نمائمها الضيقة [8]]، أنا هنا لا أتحدث عن (جندر أدبي مفترض)، ولكن أتحدث عن سياق مجتمعي يرسم سقف توقعات محدد من نص تكتبه أنثى. وهذه إشكالية أقدر أن هدى حمد في هذه المجموعة استطاعت كسر قاعدتها. فاتساع قاعدة المنظار الاجتماعي الذي تسلط عليه هدى قلمها لرصده وتقديمه لا يتوقف عند حدود تشعر وكأنها تنتمي لذاكرة الأنثى التقليدية في الأدب.
وكمثال جزئي على ذلك تصوير الكاتبة لشخصية (حبيب بن زهور) في قصة (عرس) فرغم إن فهم وكشف إطار الشخصية وتصويرها هو أقرب للذاكرة الذكورية منه للذاكرة الأنثوية فإننا نجد أن الكاتبة صاغت الشخصية كتكوين (مادي) و(كسلوك) و(كبنية نفسية) و(كفعل اجتماعي وتفاعل مع المحيط) بصورة دقيقة جداً. لدرجة أن المتلقي يتماهى مع مشهد وحركات حبيب وتطور الشخصية داخل النص بصورة وكأنما يشاهد مشهداً مسرحياً حاضراً. وهذه الدقة في المعرفة السوسيولوجية الشعبية تحسب للكاتبة على وجه أدق.
- أما المستوى الثاني في الإدراك الذي نجده في هذا النص يتجاوز إطار وضع المرأة الداخلي وحياتها الخاصة على اعتبار أن الكتابة هنا سهلة والمادة متوفرة فتشتغل الكاتبة بعاطفتها ووجدانها وإن حكت قصت ما تعيشه في حياتها الاجتماعية الخاصة، وهذه الحياة الخاصة تمثل ما هو خارج أو غائب عن حياة الرجل [9] [لذا نجد أغلب الأدب النسوي في المملكة ينتظم ضمن إطار وضع المرأة الداخلي وحياتها الخاصة لأن الكتابة هنا سهلة والمادة متوفرة فتشتغل الكاتبة بعاطفتها ووجدانها وإن حكت قصت ما تعيشه في حياتها الاجتماعية الخاصة، وهذه الحياة الخاصة تمثل ما هو خارج أو غائب عن حياة الرجل]. ولكن هذه الحدود تتلاشى في الإشارة برتقالية الآن وإن كان الرابط الأساسي الذي ترتكز عليه قصص المجموعة يتخذ من الأنثى ثيمة أساسية له ولكنه يتجاوز ذلك ليطرح إشكالات وتساؤلات أكثر عمقاً وتعقيداً وبلاغة.
وليس أدل من ذلك على قصة (يدان) هذه القصة التي تتدرج بالقارئ لرسم مشاهد متنوعة من حياة المجتمع ترتكز على وحدة المرأة. هادفة إلى أن تقول أن المرأة في الحقيقة ، ليست نصف المجتمع فحسب، بل هيّ أيضا والدة ومربية للمجتمع بأسره في مدرسته الأولى على الأقلّ التي تطبعه إلى حد بعيد في بقية مراحل حياته، فإذا ما وقعت العناية بالمرأة وتم إيلاؤها ما يوافق قيمتها وأهـميّتها من الإعتبار الصّحيح والعناية الفائـقة، استقام المجتمع كله وصلح حاله . أمّا من أهملها وحطّ من قيمتها وإنسانيّتها وتجاهل وجودها كعضو فاعل في المجتمع، له قيمته المركزيّة، فقد هدم المجتمع أو على الأقـلّ، فقد أضرّ بالمجتمع ضررا بليغا [المرأة في الحقيقة، ليست نصف المجتمع فحسب، بل هيّ أيضا والدة ومربية للمجتمع بأسره في مدرسته الأولى على الأقـلّ التي تطبعه إلى حد بعيد في بقية مراحل حياته. من هنا تأتي أهميّة وضرورة العناية بالمرأة، بل وإعطاءها الأولويّة في ذلك على الرّجل. فالمرأة، على هذا الأساس، هيّ عماد المجتمع، فإذا ما وقعت العناية بها وإيلاءها ما يوافق قيمتها وأهـميّتها من الإعتبار الصّحيح والعناية الفائـقة، استقام المجتمع كله وصلح حاله. أمّا من أهملها وحطّ من قيمتها وإنسانيّتها وتجاهل وجودها كعضو فاعل في المجتمع، له قيمته المركزيّة، فقد هدم المجتمع أو على الأقـلّ، فقد أضرّ بالمجتمع ضررا بليغا [10]].
تشير هدى هنا إلى ثبات المرأة في عمق التكوين البنيوي لدورها في المجتمع وهذا الثبات يتجسد على مستويات عديدة عكسها النص فهو ثبات (نفسي / سلوكي / عاطفي) تجاه المتغير الأساسي في النص وهو الرجل الذي يبدأ طفلاً حتى يصل كهلاً ومع ذلك فإن العناصر الثلاثة بالنسبة له تتغير في معادلة غير موزونة تفرز العديد من أشكال المشكل الاجتماعي.
“إنّنا لا نحسب أنّ ما مرّت به عديد المجتمعات، قديما و حديثا، من تخلّف و انحطاط وانحلال، كان قد حصل لها بمعزل عمّا وقعت فيه من إهمال لوضعيّة المرأة ودورها فيها وعدم إيجاد معادلة موزونة بين ما تقدمه المراة تربويا وعاطفيا وتنشوياً، و ما تعرضت له من إساءة خطيرة مخلّة بكرامتها وإنسانيّتها. ولو دقّقنا النّظر والتحليل لوضعيّة المجتمعات المتخلّفة وفي أسباب تخلّفها لوجدنا أنّ ذلك، في جزء كبير منه، يعود إلى الطبيعة السيئة لوضعيّة المرأة فيها. فإذا كانت المرأة مهملة ومحتقرة، تعيش وضعيّة الدّنيّة والجهل والقهر وسحق للشخصيّة وعدم الاعتبار، فلا غرابة أن ينشأ الأبناء أيضا عل الجهل وضيق الأفق وضعف الشخصيّة وتذبذبها.” إن نص (يدان) إنما هو نص مسرحي في دراميته ولقد ذكرتنا صفقة الباب بصفقة الباب الأشهر في تاريخ الفنون في أوروبا في مشهد مسرحية بيت الدمية لهنريك ابسن. ومما يدفعنا لقراءة هذا النص بعمق سوسيولوجي أكثر ونصوص أخرى في المجموعة هو ما يعبر عنه تودوروف الذي يؤكد على “إن الأدب يتجسد مادياً في بنية لغوية مؤسسة على مجموعة من العلاقات الداخلية، وأن هذه البنية اللغوية تشكلت من قبل أديب، وبالتالي تكتسب دلالتها من علاقتها به.مما يجعلها تشكل (بنية دالة) لا يمكن فهمها وتفسيرها إلا من خلال (الدراسة التكوينية) التي تفيد بأن هذه البنية ليست مغلقة وجامدة وإنما تتميز بالحركة والتوالد من بنية ذهنية هي (رؤية العالم). (رؤية العالم) لا ينتجها الأديب، وإنما هي مستمدة من رؤية العالم للطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها، هذه الرؤية التي لا توجد منعزلة في واقع تاريخي واجتماعي معين، وإنما توجد بموازاة الطبقات الاجتماعية المتعايشة معها…” وبعيداً عن مسألة الطبقة الاجتماعية فإن هذا النص يشكل رؤية للعالم منطلقة من فرد يمثل الجنس الآخر في المجتمع وبالتالي فهو يعطي لنا مساحات واسعة لتأويله ودرسه وفهمه توصلاً إلى فهم مبادئ التفكير والنظر التي تختلج مخيال الجنس الآخر المكمل في المجتمع. في تحولات أخرى موازية..؟
1 ريهام عبداللطيف، مشكلات المجتمع اليمني..تجاهلتها الدراسات الاجتماعية ورصدها الأدب. http://www.masress.com/alkahera/2113↩
2 محمد همام، لا تسامح النسق. http://www.mominoun.com/articles/%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D9%82-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AC%D9%84-%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A-116↩
3 محمد همام، لا تسامح النسق. http://www.mominoun.com/articles/%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D9%82-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AC%D9%84-%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A-116↩
4 آسية البوعلي، مضامين القصة العمانية القصيرة-مرحلة التسعينات نموذجا، https://asyahbuali.wordpress.com/2011/04/10/%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8F%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9/↩
5 آسية البوعلي، الاتجاهات السردية في نماذج من القصة العمانية القصيرة، https://asyahbuali.wordpress.com/2011/04/10/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%AC-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84/↩
6 آسية البوعلي، الاتجاهات السردية في نماذج من القصة العمانية القصيرة، https://asyahbuali.wordpress.com/2011/04/10/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%AC-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84/↩
7 طامي السميري، القاصة السعودية ومأزق الجهل بتفاصيل الحياة اليومية، http://www.alriyadh.com:8080/202005↩
8 المصدر نفسه↩
9 المصدر نفسه↩
10 نعمان عبدالغني، مكانة المرأة الإنسان في المجتمع العربي، http://www.asharqalarabi.org.uk/r-m/b-mushacat-mm.htm↩
شكراً أحمد المعيني
ردحذفشكراً لأنك تذكرنا اننا جميعا مسؤولون عن تصحيح الخطأ حال ان وجدناه
هي ليست مسألة فوقيه، لكن هكذا نوع من السرقات لا مفر غير التعامل معها بهذا الاسلوب