الاثنين، 2 مايو 2016

عن الأيادي الأمينة



عن الأيادي الأمينة

من المقلق جدًا في أي مجتمع مدنيّ أنْ تكثُر الأصوات التي تشجّع الأجهزة الأمنية وتقرُّها على اعتقال الكتّاب، بدعوى أنّ هذه الأجهزة إنما تعمل على حماية الوطن، وأنها تعرف ماذا تفعل، وأنّ لها الحق في التحقيق مع الكتّاب وغيرهم، وأنّ المعتقلين في "أيادٍ أمينة" وسيخرجون بسلام، فلا داعي للتهويل. ثمة كلام هنا ينبغي أن يُقال لإعادة التفكير في بعض المفاهيم.

لئن كانت الأجهزة الأمنية تسعى إلى حماية الوطن، فهذا هو الهدف من وجودها أساسا، ولا ينبغي التشكيك في وطنية العاملين فيها أو التحريض عليهم. هذا كلام مفروغ منه، لكنّه لا يعني بأي حال من الأحوال أنّ هذه الأجهزة هي وحدَها من يريد الحفاظ على الوطن، أو أنها معصومةٌ وعلى حقٍ دائما. فالأجهزة الأمنية جزء من مؤسسات الحكومة، تلك المؤسسات التي لا يكاد يمرّ يومٌ دون أن نلومها وننتقدها على صفحات الجرائد وفي البرلمانات ووسائل التواصل الاجتماعي، خاصةً حين يتعلق الأمر بمظلمة شخصية أو أوجه قصور نتضرر منها. إذًا فالأجهزة الأمنية مؤسسات بشرية لها ما لها وعليها ما عليها، نحيّيها على القيام بواجبها، وننتقدها في جوانب أخرى.  

أما القولُ بأنّ المعتقلين في "أيادٍ أمينة" فلا معنى له إطلاقًا؛ إذْ من الطبيعي أن يكون كل مُعتَقلٍ أو مُحتَجَزٍ أو سجين في أيادٍ أمينة، ولو حصل غير ذلك يكون خرقًا للقانون وتنبغي المحاسبةُ عليه. أن تكون في "أيادٍ أمينة" هو حقٌ مكفول لك أساسا، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يكون مبرِّرا لاعتقالك أو حبسك. ولا ينبغي أن نبرّر الاعتقال بدعوى أنّ الأجهزة الأمنية عندنا لا تمارس التعذيب؛ فهذا كلام بائس للغاية يوحي بأنّ المشكلة الوحيدة التي تجعلنا لا نقبل السجن هي التعذيب!

قد نتفهّم أن يبرّر بعض الإخوة التحقيق مع الكتّاب، ولكن ما يصعب تفهّمه هو التبرير لاحتجازك (وأنت بريء حتى تثبت إدانتك) أيامًا وأسابيع بدعوى التحقيق، وكأنك إرهابي ستهرب من البلاد أو تشكّل خطرًا على سلامة المواطنين.  

وأما القولُ بأنّ حرية التعبير ليست مُطلقة، فهذا كلام مفروغٌ منه أساسا، ولا يوجد بين أعتى دعاة الليبرالية وحرية التعبير من يفكّر بهذه الدرجة من الصبيانية. المنادون بحرية التعبير ينطلقون أساسا من مبدأ الحفاظ على الحقوق والحريات، لذلك من الطبيعي أن توجد قوانين تُدين بعض أنواع التعبير العنصرية والطائفية مثلا للحفاظ على حقوق الآخرين وسلامتهم.

من المؤسف أن تظهر أصوات من بينها أصوات كُتّاب تغمز بتأييد الاعتقالات، بدعوى أن الوطن خطٌ أحمر. والسؤال هنا، من خوّلكَ قاضيا تحكم بأنّ الكاتب الفلاني قد تجاوز الخط الأحمر؟ وهل هذا الخطّ الأحمر واضح تماما أصلا؟ وهل تستطيعُ أنتَ أن تُقسم قسما قانونيا على أنّ الكاتب كان يقصد المعنى الذي فهمته أنت؟ ثمة جانب أخلاقي ينبغي علينا مراجعته قبل التحريض على اعتقال شخص بريء. 

من واجبي كإنسان نحو كل البشر أن أستنكر وأعترض على اعتقال أي شخص بسبب رأيه. ليس معنى ذلك أن نتساهل مع كل أشكال التعبير العنصرية والطائفية مثلا، ولكن علينا -كما يقول تشومسكي- الحذر من أن نمنح جهةً تنفيذية الحقّ الكامل والحصريّ في تفسير ما يكتبه الكتّاب وتحديد ما ينبغي أن يُقال وما لا يُقال وما هو التاريخ الصحيح، وأن تُعاقب من يحيد عن ما تريده. ببساطة، ومن أجل حفظ القانون وكرامة الإنسان، لا أريد لحكومةٍ، أيا كانت تلك الحكومة، أن تملك سلطة بهذا الحجم. من حقّ الناس أن يكون لهم رأي (عبر برلماناتهم) في القوانين، وأن يكون الفيصل في أي نزاع هو القضاء المستقل. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق