الأربعاء، 10 مارس 2010

نحن في مدارس إسرائيل: عرض كتاب "صورة العرب والمسلمين في مدارس إسرائيل"



جرى في السنين الأخيرة نقاش طويل في أروقة الثقافة العربية حول ترجمة الأدب العبري، ومن الإيجابيات التي يذكرها مناصرو هذا التوجه معرفة كيف يفكر الإسرائيليون وكيف ينظرون إلينا نحن العرب. سواء اتفقنا على الوسيلة أم لم نتفق يبقى الهدف هامًا وضروريًا، ولكن ربما الأهم منه في السياق الأشمل للصراع العربي الإسرائيلي هو معرفة كيفية تربية الأجيال الجديدة والصورة التي يتم غرسها في أذهانهم عن العرب والمسلمين، حتى نستطيع تفسير السلوكيات الإسرائيلية فيما يتعلق بتعاملهم معنا. من أحدث الدراسات التي تناولت هذا الموضوع كتاب "صورة العرب والمسلمين في مدارس إسرائيل: تحليل المناهج الدراسية في التعليم العام" للدكتور علي بن صالح الخبتي، الصادر عن مكتبة العبيكان عام 2009 في 206 صفحات.

جاء الكتاب في شكل بحثٍ أكاديمي يشتمل على مقدمةٍ تشرح مسوّغات البحث وسياقه وأهدافه الرئيسة، وفصلٍ لشرح الإطار النظري الذي يرتكز عليه البحث، وفصلٍ عن ما نُشر سابقًا في هذا الموضوع حتى يستطيع القارئ وضع هذا الكتاب ضمن سياق تلك الدراسات، وفصل لمنهجية البحث، وفصلٍ طويل للتحليل، ثم خلاصة وتوصيات وملاحق للاستزادة. ومما تجدر الإشارة إليه نجاح المؤلف في استخدام لغةٍ بسيطةٍ مباشرة بعيدة عن تعقيدات الكثير من البحوث الأكاديمية. ويبدو أن المؤلف قد اختصر الحديث في المقدمة والإطار النظري والدراسات السابقة ووجّه تركيزه على التحليل مراعاة لكون الكتاب موجهًا للقارئ العام. ويعلن المؤلف في المقدمة أن العالم "[لا] يحتمل النزاعات والخلافات والحروب" (ص17) فإذا ما أردنا تجنب ذلك علينا النظر في كيفية تأسيس الناشئة في المدارس وتحليل المناهج الدراسية بغية تصفيتها من الصور السلبية للشعوب الأخرى حتى يسود السلام والتسامح في عالم "بلا حروب ولا كراهية" (ص19). ولقد اختار المؤلف المناهج الدراسية لتحليلها كونها تحتل أهمية قصوى في تشكيل ثقافة الجيل الجديد وتعريفه بالثقافات الأخرى وتحقيق أهداف المجتمع من خلال تأسيس القيم والأخلاق وعادات التفكير والنظرة للحياة.

خصص المؤلف الفصل الثاني للحديث عن مفهوم الصورة الذهنية (النمطية) وتحليل التعريفات التي قدمتها الدراسات السابقة، وتبيان خصائص الصورة الذهنية النمطية وآثارها على الفرد والمجتمع. وكما يوضّح المؤلف فإن الصورة الذهنية النمطية هي عبارة عن أحكام وانطباعات متوارثة أو جديدة يتبناها شخص أو مجتمع ما عن شخص أو مجتمع آخر، مما يؤثر على تقييمه له وطريقة تعامله معه. ومن أخطر مشكلات الصور الذهنية السلبية صعوبة تصحيحها واستبدالها، لأنها تكون قد ترسخت في الذهن منذ الصغر.

وأما الفصل الثالث فقد يكون من أكثر أجزاء الكتاب متعة وثراءً، حيث يستعرض فيه المؤلف الركائز التي تقوم عليها فلسفة التعليم في إسرائيل، مع سردٍ لسمات التربية في إسرائيل والنظام التعليمي الإسرائيلي. ويرى المؤلف أن الفلسفة التربوية اليهودية تستقي قِيَمها من أربعة مصادر هي الحركة الصهيونية والديانة اليهودية ودولة إسرائيل والحضارة الغربية. أما الصهيونية فتحث على إحياء الثقافة العبرية في وطن قومي لليهود، وأما اليهودية فتؤكد على أن المرجعية الأولى والأساسية لليهود هي في التوراة والتلمود وأن الدين اليهودي هو الذي يوحّد جميع اليهود في أمة واحدة، ولذلك يوجد اهتمام كبير بتدريس المواد الدينية. وأما دولة إسرائيل فيُستمدّ منها التشديد على أهمية الأرض واستزراعها واستصلاحها، وأما الحضارة الغربية فهي التي تؤخذ منها قيمة العلوم والتقانة والأساليب التعليمية الحديثة. ويشير المؤلف في هذا الفصل إلى الانقسام الحادث في النظام التعليمي الإسرائيلي بين الجانب الديني والجانب العلماني والذي يتجسد في وجود مدارس حكومية وأخرى حكومية دينية تركز بشكل أساسي على الشعائر والطقوس الدينية. ومن المثير أن نجد كيف أن نظام التربية الإسرائيلي يرتكز على مبادئ تكفل استمرار الوجود اليهودي، وهي إحياء اللغة العبرية، وتعزيز الارتباط بالأرض (من خلال التعليم الزراعي، إضافة إلى وجود القسم الزراعي في الثانوية)، وتنمية الروح العسكرية (ص 49-50). وفي القسم الأخير من هذا الفصل الثري يستعرض المؤلف بعض القوانين المتعلقة بالتعليم وأهداف المراحل التعليمية المختلفة، ونلمس فيه اهتمامًا كبيرًا بالتعليم والتنشئة ورعاية المواهب وزيادة الإنفاق على التعليم (6.7% من الناتج القومي الإجمالي). ومن أهم الملاحظات التي نسجلها في هذا الفصل أن متوسط الساعات التي يدرسها الطالب الإسرائيلي في المرحلة الثانوية هو 58 ساعة أسبوعيًا!

وفي الفصل السادس من الكتاب يقوم المؤلف بتحليل مضمون 23 كتابًا دراسيًا إسرائيليًا وخطابها للخروج برؤية واضحة عن الصورة التي تعرضها للعرب والمسلمين وفق خمسة محاور هي البعد الإسلامي والبعد القومي والبعد الصهيوني والبعد السياسي والنظرة العامة للكتب. ومن بين نتائج الدراسة أن الكتب الدراسية الإسرائيلية قامت بما يلي: (1) الربط بين الإسلام والعنف على أساس أنه انتشر بالسيف عبر "احتلال" (فتح) بلاد الكفار أي غير المسلمين، كما عرضت شخصية النبي (ص) على أنه هو من فرض الدين الإسلامي وأسس قواعده بتأثير من اليهودية والنصرانية وأن الإسراء والمعراج مجرد أسطورة خرافية، كما رسخت فكرة عدم قدسية القرآن لأنه ليس من عند الله وإنه مستوحى من التوراة ويضم نبوءات محمد (ص) ورؤاه، وأكدت على أن أركان الإسلام إنما وُضعت بعد وفاة النبي (ص)، وربطت بين الجهاد والإرهاب. (2) تغيير الحقائق التاريخية والجغرافية على أساس ما ورد في التوراة وما تؤمن به الحركة الصهيونية وذلك من خلال وضع دولة إسرائيل في خارطة الشرق الأوسط مستخدمة هذا المصطلح الجديد حتى عند الحديث عن أحداث تاريخية قديمة جدًا. (3) وضع خريطة جديدة لفلسطين تتناسب مع الفكر الصهيوني وذلك بتهويد المكان والزمان حيث تظهر المدن والقرى بأسمائها العبرية في التوراة وفي الكيان الإسرائيلي، إضافة إلى التأكيد على وجود اليهود الدائم في فلسطين، وأن اليهود كلهم أمة واحدة وأنهم يستحقون هذه الأرض الموعودة وأنهم طالما ارتبطوا بها عاطفيًا وتمنوا الرجوع إليها حتى وهم في الشتات، وأن اليهود شعب متميز متفوق طالما استعانت به الأمم الأخرى لذكائه وثقافته ومهارته وأن اليهود في خير طالما اعتزلوا الأمم الأخرى ولم يتأثروا بها لأنهم دائمًا ما يعادونهم ويودون إبادتهم لمجرد يهوديتهم، وأنهم كان لا بد أن يعودوا يومًا لفلسطين وعادوا وشاركوا في تحريرها واستحقوا أن يؤسسوا دولة فيها. (4) التشديد على أهمية القدس والهيكل تاريخيًا لليهود، وإظهار الفخر بقدماء اليهود ودورهم عبر التاريخ حتى في فتح الأندلس، وتشويه صورة العربي كي يبدو عنيفا وقاتلا، وإظهار فلسطين أرضًا قفرا خربة لا شعب فيها ولم تزدهر إلا بإحياء اليهود إياها بعد عودتهم، ووصف المقاومة الفلسطينية بالتطرف والإرهاب. (5) سوء تصوير الإسلام وأركانه ونبيه، والتأكيد على أن مقاومة المشروع الصهيوني إرهاب ومعاداة للسامية، ووصف المشروع الصهيوني على أنه كفاح وتحرير للأرض وحرب للاستقلال دون ذكر لأعمال العنف التي ارتكبتها العصابات الصهيونية المسلحة قبل عام 1948.

لقد خلص المؤلف من بحثه وتحليله إلى نتائج مثيرة جديرة بالانتباه، وما قدّمه من توصيات يجدر النظر إليها جديًا ليس في السياق الإسرائيلي فقط وإنما في كل العالم، إلا أن هناك بعض الملاحظات التي نأخذها على الكتاب. أولا: وجود بعض الاستنتاجات التي لا توجد عليها أمثلة كافية أو متوافقة من الكتب الدراسية، مما يثير سؤالا هل الخطأ في الاستنتاج أم في إيراد المثال؟ مثلا يقول المؤلف في الصفحة 103 أن الكتب الدراسية "تهدف إلى ترسيخ أفكار تتعلق بعدم قدسية القرآن الكريم؛ لأنه من نسج خيال محمد (ص)، واعتماده في جزء كبير منه على ما ورد في الكتب الدينية اليهودية"، ثم يورد الاقتباس التالي من أحد الكتب الدراسية ليؤكد ذلك: "الكتاب المقدس للمسلمين هو القرآن، وتسير حياتهم حسبه. وحسب التراث الإسلامي فقد وضع الله القرآن ونزّل من السماء إلى محمد أجزاء. وقد أبلغ محمد كلام الله إلى المؤمنين به في صورة مقولات صغيرة، التي دونوها على أوراق النخيل والقطع الخشبية والعظام" (واضح أن الاستدلال غير مسوّغ). ثانيًا: في خلاصة التحليل يورد المؤلف بعض الاستنتاجات التي لم يتناولها أبدًا في التحليل، ولا يعرف القارئ من أين أتت، مثل "التأكيد على عدم احترام حقوق المرأة ووحشية وعربدة الرجل العربي والمسلم" (ص165). ثالثا: هناك بعض "الاستنتاجات" التي تظهر استغراب المؤلف وانفعاله، إلا أنها لا تمثل جديدًا بل هي من ضرب "المعلوم"؛ كأن ينفي اليهود نبوة النبي محمد (ص) أو ينكرون كون القرآن وحيًا من عند الله، فهم لو آمنوا بذلك أصبحوا مسلمين لا يهود! رابعًا: على الرغم من صدور الكتاب في عام 2009، إلا أن البحث ليس جديدًا حيث مرت عليه حوالي 6 سنوات، مما يحث على النظر في الكتب الأحدث ومقارنتها بتلك التي تم تحليلها. خامسًا: يذكر المؤلف أن هناك مترجمَين قاما بترجمة النصوص العبرية، ولا يعرف القارئ ما إذا كان المؤلف نفسه يعرف العبرية أم لا، مما قد يثير تساؤلا حول الترجمة ودقتها وحياديتها، ولكن في الوقت نفسه يجب أن نحسب للمؤلف وضعه النص العبري إلى جانب الترجمة العربية لمن أراد المقارنة والتثبت. وأخيرًا نسجل ملاحظة على اللغة المستخدمة في الكتاب والتي تبدو في بعض المواضع عاطفية غير حيادية، وهذا لا يتماشى مع بحثٍ أكاديمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق